صار كالمجل وهو أثر كبير محكم لا يكاد يزول إلا بعد مدة، ثم شبه زوال ذلك النور بعد ثبوته في القلب وخروجه منه، واعتقاب الظلمة إياها بجمر تدحرجه على رجلك حتى يؤثر فيها، ثم يزول الجمر ويبقى التنفط اهـ عمدة القاري.
فيصبح الناس بعد رفعها خونة فسقة حتى لا يوجد فيهم رجل أمين، ويمدحون الرجل منهم بالشجاعة والفصاحة ورصانة العقل، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان.
قال الأبي: وبالجملة فالمقصود من الحديث الإخبار عن تغير الحال برفع الأمانة من تلك القلوب التي جبلت على حفظها وعدم الخون فيها حتى لا يبقى فيها إلا مثل الوكت، ثم مثل المجل على ما تقدم.
قال حذيفة (و) الله الذي نفسي بيده (لقد أتى) ومر (علي زمان وما أبالي) أي والحال أني ما أبالي، ولا أكترث في ذلك الزمان (أيكم بايعت) أي الذي عاقدت معه عقد البيع والشراء منكم، فأي موصولة، والله (لئن كان) الذي عاقدت معه (مسلمًا ليردنه علي) بحقي (دينه) أي حكم دينه، وخوفه من الله تعالى، أي يقضي لي ديني الذي عليه بعقد البيع والشراء.
وفي المفهم وقوله (لا أبالي أيكم بايعت) من البيع لا من المبايعة، لأن اليهودي والنصراني لا يبايع بيعة الإسلام، ولا بيعة الإمامة، وإنما يعني أن الأمانة قد رفعت من الناس فقل من يؤمن على البيع والشراء اهـ.
ومعنى قوله "وما أبالي أيكم بايعت" أي إنه لوثوقه سلفًا بوجود الأمانة في الناس كان يُقْدِمُ على مبايعة من اتفق له من غير بحث عن حاله فلما بدا التغير في الناس وظهرت الخيانة صار لا يبايع إلا من يعرف حاله من الناس، وأي هنا موصولة بمعنى الذي في محل النصب مفعول به لأبالي، وجملة بايعت صلتها والعائد محذوف والتقدير لا أبالي الذي بايعته منكم.
وقوله "لئن كان مسلمًا" جواب عن سؤال مقدر كأن قائلًا قال له: لم تزل الخيانة موجودة، فأجاب بأنه وإن كان الأمر كذلك لكنه كان يثق بالمؤمن لذاته، وبالكافر لوجود ساعيه، وهو الذي يحكم عليه، وكانوا لا يستعملون في كل عمل قل أو جل إلا