قَال: فَسَكَت قَلِيلًا. ثُم غَلَبَنِي مَا أَعلَمُ مِنْهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لكَ عَنْ فُلانٍ. فَوَاللهِ إِني لأرَاهُ مُؤمِنًا. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَو مُسْلِمًا" قَال: فَسَكَت قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا عَلِمْتُ مِنْهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لكَ عَنْ فُلانِ، فَوَاللهِ إِني لأرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْ مُسْلِمًا: إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيرُهُ أَحَبُّ إِليَّ مِنْهُ، خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ في النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ"
ــ
للتقسيم والتنويع عطفًا على مؤمنًا، وفيه دلالة على النهي عن الجزم بإيمان أحد بغير نص قاطع، وفيه دلالة على الجزء الأخير من الترجمة (قال) سعد (فسكت) عن المراجعة إليه (قليلًا) أي زمنًا قليلًا أو سكوتًا يسيرًا عرفًا (ثم) بعد سكوتي قليلًا (غلبني) وأزعجني وحثني على المراجعة (ما أعلم) وأعتقد (منه) أي من ذلك المتروك من صلاحه (فقلت) ثانيًا (يا رسول الله ما لك) أعرضت (عن فلان فوالله إني لأراه مؤمنًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسلمًا، فسكت قليلًا ثم غلبني ما علمت منه) من صلاحه عبر هنا بصيغة الماضي إشعارًا بتحقق اعتقاده فيه (فقلت) ثالثًا (يا رسول الله ما لك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمنًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أر مسلمًا إني لأعطي الرجل) من المسلمين (وغيره) أي والحال أن غيره (أحب إلي) وأفضل عندي (منه) أي من ذلك المعطى لصلاحه (خشية أن يكب) ويسقط ذلك المعطى (في النار على وجهه) إن لم يُعطَ لارتداده عن الإسلام بذلك الحرمان.
وفي الإكمال: وليس مقال سعد مناقضًا للنبي، لكن لما قطع سعد على إيمانه قال له النبي صلى الله عليه وسلم وحثه لأن يقول "أو مسلمًا" مع قوله: "إني لأراه مؤمنًا" بمعنى أن هذه اللفظة التي تطلق على الظاهر أولى في الاستعمال إذ السرائر مخفية لا يعلمها إلا الله، وحكم النبي صلى الله عليه وسلم في أمته على الظاهر.
قال النواوي: وأما فقه هذا الحديث ومعانيه ففيه الفرق بين حقيقة الإسلام والإيمان، وفي هذه المسألة خلاف وكلام طويل، وقد تقدم بيان هذه المسألة وإيضاح شرحها في أول كتاب الإيمان، وفيه دلالة لمذهب أهل الحق في قولهم: إن الإقرار باللسان لا ينفع إلا إذا اقترن به الاعتقاد بالقلب، خلافًا للكرامية وغلاة المرجئة في قولهم يكفي الإقرار، وهذا خطأ ظاهر يرده إجماع المسلمين، والنصوص في إكفار المنافقين، وهذه صفتهم، وفيه الشفاعة إلى ولاة الأمور فيما ليس بمحرم، وفيه مراجعة