عليه وسلم أَيضًا في شأن لوط بن هاران، ويرحم الله أي يكرم الله سبحانه وتعالى لوطًا برحمته وإحسانه وكرامته، والله (لقد كان) لوط (يأوي) ويلتجئ من إذاية قومه (إلى ركن) وملجأٍ (شديد) أي قويٍ وحصنٍ حصينٍ مانعٍ حافظٍ من إذاية العدو.
قال النواوي: فالمراد بالركن الشديد هو الله سبحانه وتعالى، فإنَّه أشد الأركان وأقواها وأمنعها، ومعنى الحديث والله أعلم: أن لوطًا - عليه السلام - لما خاف على أضيافه ولم يكن له عشيرة تمنعهم من الظالمين ضاق ذرعه، واشتد حزنه عليهم فغلب ذلك عليه، فقال في ذلك الحال: لو أن لي بكم قوة في الدفع بنفسي، أو آوي إلى عشيرة تمنع لمنعتكم، وقصد لوط - عليه السلام - إظهار العذر عند أضيافه، وأنه لو استطاع دفع المكروه عنهم بطريقٍ ما لفعله، وأنه بذل وسعه في إكرامهم والمدافعة عنهم، ولم يكن ذلك إعراضًا منه - عليه السلام - عن الاعتماد على الله تعالى، وإنما كان لما ذكرناه من تطييب قلوب الأضياف، ويجوز أن يكون نسي الالتجاء إلى الله تعالى في حمايتهم ويجوز أن يكون التجأ فيما بينه وبين الله تعالى، وأظهر للأضياف التألم وضيق الصدر، والله تعالى أعلم.
وقال النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَيضًا في شأن يوسف بن يعقوب عليهما السلام (ولو لبثت) ومكثت (في السجن) والمحبس (طول لبث يوسف) - عليه السلام - أي لبثًا كاللبث الطَّويل الذي لبثه يوسف فيه لأنه لبث فيه سبع سنين (لأجبت الداعي) لي إلى الخروج منه وما تأنيت- ويوسف فيه ست لغات: ضم السين وكسرها وفتحها مع الهمز فيهن وتركه- وهذا ثناء على يوسف - عليه السلام - وبيان لصبره وتأنيه، والمراد بالداعي رسول الملك الذي أخبر الله سبحانه وتعالى أنَّه قال:{ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَال ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيدِيَهُنَّ}، فلم يخرج يوسف - عليه السلام - مبادرًا إلى الراحة، ومفارقة السجن الطَّويل، بل تثبت وتوقر وراسل الملك في كشف أمره الذي سُجن بسببه لتظهر براءته عند الملك وغيره، ويلقاه مع اعتقاده براءته مما نسب إليه، ولا خجل من يوسف ولا غيره فبيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم فضيلة يوسف في هذا، وقوة نفسه في الخير، وكمال صبره وحسن نظره، وقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم