الغيوب، فلا يمر عصرٌ إلَّا ويظهر فيه معجزة مما أخبر أنها تكون، تدل على صدقه وصحة نبوته، وتجدد الإيمان في قلوب أمته اهـ.
قال السنوسي: ولا خفاء في ظهور معجزة القرآن لجميع الخلق، أما لعلماء البلاغة فواضح وأما لغيرهم فلمشاهدة العجز منهم مع طول السنين، وكثرة المعادين للدين مع ما فيه من العلوم الجمة، والقصص الغريبة، والمواعظ الرائقة، وبالجملة فقد احتوى على خير الدنيا والآخرة، ثم هو شاهد على صدق نفسه بنفسه اهـ.
وقال الأبي: أكثرية أتباعه صلى الله عليه وسلم إنما هي تكرمة من الله تعالى له صلى الله عليه وسلم وإلا فمعجزة غيره كالعصا، وانفلاق البحر، ونتق الجبل، وإحياء الموتى، وخروج ناقة من الحجر، من الظهور لعامة البشر بحيث يؤمن لها البشر، وتكون أتباعها أكثر، وإنما معجزته صلى الله عليه وسلم كلام يتلى، إنما يدرك وجه إعجازه بتأمل اهـ والله أعلم.
وعبارة النواوي هنا: واختُلف في معنى هذا الحديث على أقوال:
الأول: معناه أن كل نبي أُعطي من المعجزات ما كان مثله لمن كان قبله من الأنبياء، فآمن به البشر، وأما معجزتي العظيمة الظاهرة فهي القرآن، الذي لم يُعط أحد مثله، فلهذا قال: أنا أكثرهم تابعًا.
الثاني: أن معناه أن الذي أوتيته لا يتطرق إليه تخييل بسحر وشبهة، بخلاف معجزة غيري فإنَّه قد يُخيل الساحر بشيء مما يقارب صورتها، كما خيلت سحرة فرعون في صورة موسى - عليه السلام -، والخيال قد يروج على بعض العوام، والفرق بين المعجزة والسحر والتخييل يحتاج إلى فكر ونظر، وقد يُخطئ الناظر فيعتقدهما سواء.
الثالث: أن معناه أن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم ولم يشاهدها إلَّا من حضرها بحضرتهم، ومعجزة نبينا صلى الله عليه وسلم القرآن المستمر إلى يوم القيامة مع خرق العادة في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات وعجز الجن والإنس عن أن يأتوا بسورة من مثله مجتمعين أو متفرقين في جميع الأعصار مع اعتنائهم بمعارضته فلم يقدروا، وهم أفصح القرون مع غير ذلك من وجوه إعجازه المعروفة، وقوله صلى الله عليه وسلم:"فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا" علم من أعلام النبوة، فإنَّه صلى الله عليه