(من) ثواب التصدق بـ (الدنيا وما فيها) أي وما في الدنيا والأرض من الأموال والمعادن والخزائن بأسرها، والجملة معطوفة على قوله "حتَّى لا يقبله أحد" في كونه غاية لفيض المال، قال النووي: فمعناه -والله أعلم- أن النَّاس تكثر رغبتهم في الصلاة وسائر الطاعات لقصر آمالهم وعلمهم بقرب القيامة وقلة رغبتهم في الدنيا لعدم الحاجة إليها وهذا هو الظاهر من معنى الحديث، وقال القاضي عياض: معناه أن أجرها خير لمصليها من صدقته بالدنيا وما فيها لفيض المال حينئذ ولهذا لا يوجد من يقبله ولهوانه وقلة الشح به وقلة الحاجة إليه للنفقة في الجهاد لوضع الحرب أوزارها حينئذ وتكون السجدة الواحدة بعينها أو عبارة عن الصلاة، وأهل الحجاز يسمون الركعة سجدة ومنه الحديث "صلينا مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعدها" (ثم) بعد رواية هذا الحديث (يقول أبو هريرة) استشهادًا لهذا الحديث (اقرؤوا) أيها المسلمون (إن شئتم) مصداق هذا الحديث قوله تعالى ({وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ}) أي وما من أهل الكتاب أحد يكون في زمن عيسى - عليه السلام - حين نزوله إلَّا آمن بعيسى ({قَبْلَ مَوْتِهِ}) أي قبل موت عيسى - عليه السلام - وعلم أنَّه عبد الله ورسوله وابن أمته وتكون الملة واحدة إسلامية، وفي هذا دلالة ظاهرة على أن مذهب أبي هريرة في الآية عود الضمير في موته على عيسى - عليه السلام - وهذا مذهب جماعة من المفسرين، قال النووي: وذهب كثيرون أو الأكثرون إلى أن الضمير في موته يعود على الكتابي، والمعنى وما من أهل الكتاب أحد يحضره الموت مهما كذب به إلَّا آمن عند موته قبل خروج روحه بعيسى - عليه السلام - وأنه عبد الله وابن أمته ولكن لا ينفعه هذا الإيمان لأنه في حضرة الموت وحالة النزع وتلك الحالة لا حكم لما يفعل أو يقال فيها فلا يصح فيها إسلام ولا كفر ولا وصية ولا بيع ولا عتق ولا غير ذلك من الأقوال لقول الله تعالى {وَلَيسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَال إِنِّي تُبْتُ الْآنَ}، وهذا المذهب أظهر فإن الأول يخص الكتابي بزمن عيسى وظاهر الكتاب عمومه لكل كتابي في زمن عيسى وقبل نزوله ويؤيد هذا المذهب قراءة من قرأ (قبل موتهم)،