فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ،
ــ
الزمخشري غير هذا كما تقدم في أول الكتاب، ثم إنه يصح إرسال من تقدمت نبوته وإرسال من لم تتقدم فيثبتان له دفعة لما تقدم من أن الرسالة أخص، والأظهر فيه صلى الله عليه وسلم وفي موسى - عليه السلام - أنهما من هذا القسم فرؤياه من حيث إنها تقدمت إرساله ليست وحيًا كما قاله القزاز، نعم هي شبه الوحي في الصحة إذ لا مدخل للشيطان فيها وهي رؤيا من ثبتت كرامته الرؤيا التي هي وحي ما كان بعد النبوة. اهـ والرؤيا الصادقة هي التي ليس فيها ضغث أي اختلاط واشتباه بخلاف الكاذبة المسماة بأضغاث الأحلام، وذكر النوم بعد الرؤيا المخصوصة به لزيادة الإيضاح والبيان (فكان) صلى الله عليه وسلم (لا يرى) في نومه (رؤيا) بلا تنوين لألف التأنيث المقصورة (إلا جاءت) تلك الرؤيا في اليقظة مجيئًا (مثل) مجيء (فلق الصبح) وضوئه في الوضوح والظهور كرؤيا دخول المسجد الحرام، و (مثل) صفة لمصدر محذوف أي إلا جاءت مجيئًا مثل فلق الصبح، والمعنى أنها شبيهة له في الضياء والوضوح أو المعنى مشبهة ضياء الصبح فيكون منصوبًا على الحال، وعبر بفلق الصبح لأن شمس النبوة قد كانت مبادي أنوارها الرؤيا إلى أن ظهرت أشعتها وتم نورها، و (الفلق) الصبح لكنه لما كان مستعملًا في هذا المعنى وغيره أضيف للتخصيص والبيان إضافة العام إلى الخاص، وعن أمالي الرافعي حكاية خلاف أنه أوحي إليه صلى الله عليه وسلم شيء من القرآن في النوم أو لا، وقال: الأشبه أن القرآن نزل كله يقظة.
وذكر السهيلي أن للوحي سبعة أنواع (الأول) منها (الرؤيا الصادقة) لقول ولد إبراهيم عليهما السلام: {يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} ولهذا الحديث.
(الثاني) منها (النفث) في الروع لحديث: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها ورزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب".
(الثالث) منها أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس وهو أشده عليه وكان كذلك ليستجمع عند تلك الحالة فيكون أوعى لما يسمع.
(الرابع) أن يمثل له الملك رجلًا كما كان يأتيه في صورة دحية الكلبي، وكان دحية إذا قدم المدينة لم تبق معصر أي بكر إلا خرجت تنظر إلى جماله، وقال ابن سلام في قوله تعالى:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا}: اللهو نظرهم إلى وجه دحية.