للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَا أَنَا بِقَارِئٍ. قَال: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَال: اقْرَأ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِني الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢)}

ــ

"فقلت" (ما أنا بقارئ) أي لست عارفًا بالقراءة قال (فأخذني) أي أمسكني (فغطني) أي ضمني المرة (الثانية حتى بلغ مني الجهد) بالفتح والنصب أي حتى بلغ مني غاية المشقة والجهد بالضم الطاقة قاله ابن قتيبة، وقال الشعبي: الجهد بالضم في القوة والجهد بالفتح في العمل، وقيل هما بمعنى واحد قاله البصريون (ثم أرسلني) أي أطلقني (فقال: اقرأ، فقلت ما أنا بقارئ) ما نافية واسمها (أنا) وخبرها (بقارئ) والباء زائدة لمجرد النفي والتأكيد، وقال بعضهم إنها هنا للاستفهام وهو خطأ لأن هذه الباء لا تزاد على الاستفهام وإنما تصلح للاستفهام رواية من رواها (ما أقرأ) وتصلح أيضًا للنفي. اهـ مفهم (فأخذني فغطني) المرة (الثالثة حتى بلغ مني الجهد) قال القسطلاني: وهذا الغط ليفرغه عن النظر إلى أمور الدنيا ويقبل بكليته إلى ما يلقى إليه وكرره للمبالغة واستدل به على أن المؤدب لا يضرب صبيًّا أكثر من ثلاث ضربات، وقيل الغطة الأولى ليتخلى عن الدنيا، والثانية ليتفرغ لما يوحى إليه، والثالثة للمؤانسة، وعد بعضهم هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم إذ لم ينقل عن أحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه جرى له عند ابتداء الوحي إليه مثله (ثم أرسلني) أي أطلقني من الغط (فقال: {اقْرَأ}) يا محمد {بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}.

قال الطيبي: هذا أمر بإيجاد القراءة مطلقًا وهو لا يختص بمقروء دون مقروء، فقوله (باسم ربك) حال، أي: اقرأ مفتتحًا باسم ربك، أي قل: بسم الله الرحمن الرحيم، وهذا يدل على أن البسملة مأمور بها في ابتداء كل قراءة. اهـ قسطلاني، وفي الإكمال قال أبو الحسن بن القصار من المالكية: وفي قوله {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١)} رد على الشافعي في قوله "بسم الله الرحمن الرحيم" آية من كل سورة وهذه أول سورة نزلت وليس ذلك فيها. اهـ ومقتضى كلام ابن القصار أن ما لم ينزل في تلك المرة من بقية السورة يكون ليس منها ولم يقل به أحد، وقال الأبي: لعل البسملة نزلت بعد.

وقوله {بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وصف مناسب مشعر بعلية الأمر بالقراءة، والإطلاق في قوله (خلق) أولًا على منوال يعطي ويمنع وجعله توطئة لقوله {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ

<<  <  ج: ص:  >  >>