وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} أي الزائد في الكرم على كل كريم، وفيه دليل للجمهور على أنه أول ما نزل على الإطلاق، وروى الحافظ أبو عمرو الداني من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أول شيء نزل من القرآن خمس آيات إلى {مَا لَمْ يَعْلَمْ}، وفي المرشد: أول ما نزل من القرآن هذه السورة في نمط، فلما بلغ جبريل {مَا لَمْ يَعْلَمْ} طوى النمط ومن ثم قال القراء إنه وقف تام. قال القرطبي: وهذا الحديث نص على أن أول ما نزل من القرآن {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وهو أولى من حديث جابر الآتي إذ قال: إن أول ما نزل من القرآن {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)}، وسياق حديث جابر لا ينص على ذلك بل سكت عما ذكرته عائشة من نزول {اقْرَأْ} في حراء، وذكر جابر أنه رجع إلى خديجة فدثروه فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)} وعائشة أخبرت بأول ما نزل عليه في حراء، فكان قول عائشة أولى. والله تعالى أعلم. اهـ
(قلت) يجمع بين الحديثين بأن حديث عائشة محمول على أن أول ما نزل من القرآن على الإطلاق {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وحديث جابر محمول على أن أول ما نزل من القرآن بعد فترة الوحي ثلاث سنين يا أيها المدثر فلا معارضة بينهما حينئذ. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقال هنا {مِنْ عَلَقٍ} فجمع ولم يقل من علقة لأن الإنسان في معنى الجمع، وخص الإنسان بالذكر من بين ما يتناوله الخلق لشرفه ({الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}) أي الذي علم ما علم بواسطة القلم وغيره، أي فكما علم القارئ بواسطة الكتابة والقلم يعلمك بدونهما ({عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} من جميع ما يتمتع به من العلم ويمتاز به عن غيره من الحيوان، وكان في بدء أمره لا يعلم شيئًا. وفي الآية دليل على فضل القراءة والكتابة والعلم، ولعمرك لولا القلم ما حفظت العلوم ولا أحصيت الجيوش ولضاعت الديانات ولا عرف الأواخر معارف الأوائل وعلومهم ومخترعاتهم وفنونهم، وقد بسطنا الكلام في الكتابة والخطوط والقلم في تفسيرنا "حدائق الروح والريحان" بما لا مزيد عليه فراجعه إن شئت الخوض في هذا المقام.
(فرجع بها) أي بهذه الآيات (رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى أهله حال كونه