من الشيطان فأما منذ ما جاءه الملك برسالة ربه فلا يجوز عليه الشك فيه ولا يخشى من تسلط الشيطان عليه) اهـ
وذكر أبو بكر الإسماعيلي أنه لا يمتنع أن يخشى ذلك لأول ما جاءه الملك قبل أن يحصل له العلم الضروري بان الذي جاءه ملك لأن العلم الضروري لا يحصل دفعة، وقد أثنى الله سبحانه بهذا العلم فقال:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} إلى قوله {وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}.
قال القاضي: وعلى هذا الطريق الذي ذكرنا يحمل كل ما ورد من مثل هذا في حديث المبعث. اهـ وعليه يكون المراد من قوله صلى الله عليه وسلم:"لقد خشيت على نفسي" أي خشيت أن لا أنهض باعباء الرسالة وأن أضعف عنها. اهـ من هامش الإكمال.
وعبارة المفهم: (قوله: "لقد خشيت على نفسي" اختلف في سبب هذه الخشية وفي زمانها فقيل كانت عند رؤية التباشير وسمع الصوت قبل لقاء الملك وعند هذا يجوز أن يكون شك في حاله ولم يتحقق مآله وأما بعد مشافهة الملك وسماعه منه ما أخبره به وما قرأ عليه فلا يتصور في حقه شك في رسالته بوجه من الوجوه وإن كانت الخشية حصلت منه في هذا الحال فيحتمل أن كانت من ضعفه عن القيام بأعباء النبوة والرسالة وأنه لا يقدر عليها ويحتمل أن يكون خوفه من مباعدة قومه له ونفارهم عنه فيكذبونه ويؤذونه ويقتلونه وهذا في أول أمره قبل أن يعلم بمآل حاله وأن الله يعصمه من الناس وقول خديجة يشعر بهذا والله سبحانه وتعالي أعلم. اهـ
(قالت له خديجة) وفي رواية البخاري (فقالت) بالفاء التعقيبية أي فقالت له صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها (كلا) هي هنا كلمة نفي وابعادٍ وردعٍ أي ارتدع عما قلت ولا تقل ذلك، أو لا خوف عليك وقد تأتي (كلا) بمعنى حقًّا وبمعنى ألا التي يستفتح بها الكلام (أبشر) أي أثبت لنفسك البشارة واعتقدها لك (فوالله) الذي لا إله غيره (ما يخزيك الله) سبحانه وتعالي (أبدًا) أي في زمن من الأزمان المستقبلة ولا يفضحك ولا يهينك في حال من الأحوال، وقوله (يخزيك) بضم المثناة التحتية وبالخاء المعجمة الساكنة والزاي المكسورة وبالمثناة التحتية الساكنة أي ما يفضحك الله