والكوثر (وأما) النهران (الظاهران فالنيل) في مصر (والفرات) في العراق، قال القاضي عياض: وهذا يشعر أن أصل سدرة المنتهى في الأرض، وتعقب عليه النواوي فقال: وهذا الذي قاله القاضي ليس بلازم بل معناه أن الأنهار تخرج من أصلها ثم تجري حيث أراد الله تعالى حتى تخرج من الأرض وتسير فيها، قال: وهذا لا يمنعه عقل ولا شرع، وهو ظاهر الحديث فوجب المصير إليه والله أعلم.
قال الأبي قوله (فالظاهران النيل والفرات) قال القاضي: وهذا يدل على أن أصل السدرة في الأرض ويعارضه كون الباطنين وهما السلسبيل والكوثر في الجنة والجنة في السماء أو فوقه، ويعارضه أيضًا ما تقدم أن السدرة في السماء السابعة، ووجه الجمع أن يكون أصلها في السماء وأنزل من أصلها إلى الأرض النيل والفرات أنزلا من الجنة على جناح جبريل - عليه السلام - فأودعهما بطون الجبال ثم إن الله تعالى يرفعهما عند رفع القرآن، وذلك قوله تعالى:{وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} وهو حديث ذكره النحاس وهو موافق أيضًا لما ذكره أصحاب الجغرافيا أن أصل النيل ومنبعه من جبل القمر وهو جبل في الحبشة (ثم رفع) أي كشف (لي) وظهر لي (البيت المعمور) بأنواع عبادات الملائكة وهو في السماء السابعة على حيال الكعبة في الأرض (فقلت: يا جبريل ما هذا؟ ) البيت (قال) جبريل (هذا) البيت هو (البيت المعمور) أي يسمى به (يدخله) أي يدخل هذا البيت (كل يوم) من أيام الدنيا (سبعون ألف ملك) يذكرون الله تعالى فيه بأنواع العبادات ثم يخرجون منه فـ (إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه) أبدًا، وقوله (آخر ما عليهم) بالرفع خبر لمحذوف تقديره هذا الدخول آخر ما عليهم من الدخول في ذلك البيت، وبالنصب على الظرفية والتقدير هذا الخروج في آخر ما عليهم من الدخول، والرفع أوجه، وفي هذا أعظم دليل على كثرة الملائكة عليهم السلام (ثم) بعد ما رفع لي البيت المعمور (أتيت) بالبناء للمجهول أي أتاني الملك (بإناءين أحدهما) فيه (خمر والآخر) فيه (لبن) وهذا ظاهر في أنه أتي بهما في السماء، وفي الحديث السابق أنه أتي بهما قبل العروج فيجمع بينهما بأنه أتي بهما مرتين مرة في الأرض ومرة في السماء، والله أعلم