للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِي جَنَّةِ عَدْنٍ"

ــ

الناظرين (في جنة عدن) واقامة وخلود، والمعنى أي ليس ثم مانع من رؤيته تعالى إلَّا رداء الكبرياء أي إلَّا صفة الجلال التي لا تطيق الأبصار لضعفها رؤيته أي حتى يقويهم على رؤيته بخلقهم للدوام فاستعار صلى الله عليه وسلم لهذا الجلال المانع من رؤيته تعالى لفظ الرداء المانع من رؤية ما تحته تقريبًا للأفهام بإبراز المعقول في حيز المحسوس، والخطاب مع العرب الذين هم في البلاغة من هم، وباب الاستعارة مشهور عند العرب فلا إشكال في الحديث إلَّا عند من غلبت عليه العجمة واستولت على قلبه البلادة. اهـ سنوسي. قال القاضي عياض: والاستعارة هي استعمال اللفظ في غير ما وضعت له لعلاقة المشابهة بينهما مع قرينة مانعة عن إرادة المعنى الأصلي وهي أحد أنواع المجاز وأرفع أبواب الفصاحة والإيجاز، والعرب كثيرًا ما تستعملها تقصد بها التوضيح والإفهام وعلى هذا النحو جاء لفظ الرداء هنا فإنه صلى الله عليه وسلم كان يخاطب العرب بما تفهم ويخرج لهم الشيء من حيز المعقول إلى حيز المحسوس تقريبًا للفهم فاستعار صلى الله عليه وسلم لهذا الجلال المانع من رؤية الله تعالى لفظ الرداء المانع من رؤية ما تحته تقريبًا للأفهام فعبر عن زوال المانع ورفعه عن الأبصار بإزالة الرداء، وقال الرماني: ويسمى هذا النوع من الاستعارة تشبيهًا بغير أداة وغلبت البلادة والعجمة على قوم فلم يفهموا هذا المنزع من كلام العرب فاختلفوا في الحديث، فكذب بالأصل المعطلة وكذب بالحديث لجهل النقلة المعتزلة وكل تائه في مَهْمَهِ الجهل.

وعبارة المفهم هنا قوله (إلَّا رداء الكبرياء على وجهه) الرداء هنا استعارة كنى بها عن كبريائه وعظمته كما قال في الحديث الآخر (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري) وليست العظمة والكبرياء من جنس الثياب المحسوسة وإنما هي توسعات، ووجه المناسبة أن الرداء والإزار لما كانا ملازمين للإنسان مخصوصين به لا يشاركه فيهما غيره عبر عن عظمة الله تعالى وكبريائه بهما لأنهما مما لا يجوز مشاركة الله فيهما، ألا ترى آخر الحديث (فمن نازعني واحدًا منهما قصمته ثم قذفته في النار) ومعنى حديث أبي موسى هذا أن مقتضى جبروت الله تعالى وكبريائه وعزته واستغنائه أن لا يراه أحد ولا يعبأ بأحد ولا يلتفت إليه لكن لطفه وكرمه بعباده المؤمنين ورحمته لهم وعوده عليهم يقتضي أن يمن عليهم بأن يريهم وجهه إبلاغًا في الإنعام وإكمالًا للامتنان فإذا كشف عنهم الموانع وأراهم وجهه الكريم فقد فعل معهم خلاف مقتضى الكبرياء فكأنه رفع عنهم حجابًا يمنعهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>