القاضي: قيل إنَّ الإتيان هنا فعل من فعل الله تعالى سماه إتيانًا وصف نفسه به، ويحتمل أن يكون الإتيان المعهود فيما بيننا جعله تعالى لغيره من ملائكته فأضافه إلى نفسه كما يقول القائل "قطع الأمير اللص" وهو لم يل ذلك بنفسه إنما أقر به وهذا أشبه الوجوه عندي بالحديث مع ما يأتي بعده ويكون هذا الملك هو الذي جاءهم في الصورة التي أنكروها من سمات الحدوث الظاهرة على الملك والمخلوق.
وعبارة المفهم هنا قوله (أتاهم رب العالمين) إتيان الله تعالى هنا هو عبارة عن إقباله عليهم وتكليمه إياهم و (أدنى) بمعنى أقرب و (الصورة) بمعنى الصفة و (رأوه) بمعنى أبصروا غضبه ومعنى ذلك أنهم لما طال عليهم قيامهم في ذلك المقام العظيم الكرب الشديد الخوف الذي يقول فيه كل واحد من الرسل الكرام: إنَّ ربي قد غضب غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله هالهم ذلك وكأنهم يئسوا من انجلاء ذلك فلما كشف الله عنهم ذلك وأقبل عليهم بفضله ورحمته وكلمهم رأوا من صفات لطفه ومن كرمه ما هو أقرب مما رأوه أولًا من غضبه وأخذه، وإلا فهذا أول مقام كلمهم الله فيه مشافهة وأرى من أراد منهم وجهه الكريم إنَّ قلنا إنَّ المؤمنين رأوه في هذا المقام وقد اختلف فيه ولم يكن تقدم لهم قبل ذلك سماع ولا رؤية فتعين ما قلناه والله أعلم. اهـ منه.
(قال) رب العالمين أي قال لهم ذلك الملك الذي أتاهم في أدنى صورة (فما تنتظرون) أي فأي شيء تنتظرون في هذا الموقف وقد (تتبع كل أمة) سواكم (ما كانت تعبد) في الدنيا (قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا) لأجل امتثال أمرك ونهيك (أفقر) وأحوج (ما كنا إليهم) أي فارقناهم في الدنيا مدة كوننا أحوج إليهم أي في حالة شدة حاجتنا إليهم في معاشنا (ولم نصاحبهم) في تلك الحالة والآن لا نتبعهم بل ننتظر ربنا، وما في قوله (ما كنا) مصدرية ظرفية وأفقر خبر كان مقدم عليها دماليهم متعلق بأفقر والظرف المقدر متعلق بفارقناهم، والمعنى فارقناهم مدة كوننا أحوج إليهم ولم نصاحبهم في تلك المدة والآن نفارقهم أيضًا كما فارقناهم في الدنيا لأجلك.
قال الأبي: قولهم (يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أحوج ما كنا إليهم) لما قيل لتتبع