للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ:

ــ

كل أمة ما كانت تعبد وعلموا أن القائل أنا ربكم ليس هو سبحانه وإنما هو فتنة بدليل استعاذتهم تضرعوا إلى الله تعالى بقولهم يا ربنا فارقنا الناس إلخ لا إلى قائل أنا ربكم في كشف هذه الشدة وتوسلوا إليه في ذلك بأفضل الأعمال وهو الإيمان به وتركهم اتباع الناس في عبادتهم غير الله تعالى أحوج ما كانوا إلى اتباعهم للارتفاق بهم في مصالح الدنيا، وهذا كما جرى للصحابة المهاجرين وغيرهم من المؤمنين في جميع الأزمان فإنهم يقاطعون من حاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مع احتياجهم في معايشهم إلى الارتفاق بهم والاعتضاد بمخالطتهم فآثروا رضا الله تعالى على ذلك.

قوله (فارقنا الناس) إلخ وعبارة المفهم هنا: والصحيح من الرواية فارقنا ساكنة القاف والناس منصوب على أنه مفعول فارقنا وهو جواب الموحدين لما قيل لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، ومعناه إنا فارقنا الناس في معبوداتهم ولم نصاحبهم على شيء منها اكتفاء بعبادتك ومعاداة فيك ونحن على حال حاجة شديدة إليهم وإلى صحبتهم إذ قد كانوا أهلًا وعشيرة ومخالطين ومعاملين ومع ذلك ففارقناهم فيك وخالفناهم إذ خالفوا أمرك فليس لنا معبود ولا متبوع سواك، وكان هذا القول يصدر من المحق والمتشبه فحينئذ تظهر لهم صورة تقول أنا ربكم امتحانًا واختبارًا فيثبت المؤمنون العارفون ويتعوذون ويرتاب المنافقون والشاكون ثم يؤمر الكل بالسجود على ما تقدم. اهـ

قال السنوسي: فقولهم (يا ربنا فارقنا الناس) ابتداء دعاء منهم لربهم الحقيقي وإعراض منهم عن هذه الصورة الظاهرة لا أنهم قصدوا بذلك خطابها، كيف وهم استعاذوا منها وقولهم فارقنا الناس في الدنيا إلى آخره، ويدخل في هذا المعنى كل من هجر وطنه وقرابته لحج أو جهاد أو قراءة علم نافع يقصد به وجه الله تعالى ورضي بالغربة والفقر ابتغاء رضوان الله تعالى وكذلك من ترك كل من حاد الله تعالى وعصاه من سلطان فما دونه وغير عليه المنكر بما يقدر عليه ولو بمجرد عدم إظهار البشر له وتحمل المشقة في ذلك وإن كان يوجب ذلك عليه ضيقًا في دنياه ومعاشه وهذا المعنى ظاهر في هذا الحديث لا شك في حسنه، والعجب من القاضي كيف أنكر ما رواه مسلم مع شدة ظهوره. اهـ

(فيقول) الملك الذي ظهر لهم في أدنى صورة من التي رأوه بها (أنا ربكم فيقولون

<<  <  ج: ص:  >  >>