المقام الذي يحمده ويغبطه فيه الأولون والآخرون ويشهد له بذلك النبيون والمرسلون وهذه حكمة عرض الشفاعة على خيار الأنبياء فكلهم تبرأ منها ودل على غيره إلى أن بلغت محلها واستقرت في نصيبها. وخص يوم القيامة وإن كان سيدهم أيضًا في الدنيا لخُلُوص ذلك اليوم له بلا منازع لأن آدم - عليه السلام - وجميع أولاده تحت لوائه صلى الله عليه وسلم.
قال الأبي قوله (أنا سيد الناس) أمره الله سبحانه أن يقول هذا نصيحة للأمة ليعرفوا حقه صلى الله عليه وسلم فيُحبوه ويُعظموه ويمتثلوا أمره ويتقربوا إليه بالصلاة عليه والمدح له وإعمال المطي في زيارة مسجده صلى الله عليه وسلم والاغتباط بذلك وكثرة حمد الله تعالى على التوفيق لاتباعه فيكثر بذلك ثوابهم وترتفع درجاتهم ويتخلصوا بذلك من أهوال الدنيا والآخرة. اهـ.
(وهل تدرون) أي وهل تعلمون (بم) أي بأي سبب (ذاك) أي سيادتي لجميع الناس يوم القيامة وم اسم استفهام دخل عليها حرف الجر فحُذفت ألفها فرقًا بينها وبين الموصولة وسبب سيادتي لهم أنه (يجمع الله) سبحانه وتعالى: (يوم القيامة الأولين والأخرين في صعيد واحد) أي في أرض واسعة مستوية (فـ) لأجل استوائها (يُسمعهم) النداء (الداعي) أي المُنادي الواحد (وينفذهم) أي يخرُقهم ويُجاوزهم (البصر) حتى يرى ما وراءهم.
قال ابن الأثير: أي يبلغهم بصر الناظر أولهم وآخرهم حتى يراهم كلهم لاستواء الصعيد. اهـ نهاية، وقال القرطبي: معناه أنهم مجتمعون مهتمون بما هم فيه لا يخفى منهم أحد بحيث إن دعاهم داع سمعوه وإن نظر إليهم ناظر أدركهم، ويحتمل أن يكون الداعي هو الذي يدعوهم إلى العرض والحساب أو أمر آخر كقوله تعالى:{يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيءٍ نُكُرٍ}[القمر: ٦].
قال النواوي:(ينفذهم) بالذال المعجمة وبضم الياء وبفتحها.
وقال الكسائي: يُقال نفذني بصره إذا بلغني وجاوزني إلى ما ورائي قال ويقال أنفذت القوم إذا خرقتهم ومشيت في وسطهم فإن جزتهم حتى تخلفتهم قلت نفذتهم بغير ألف، وقال أبو عبيد: والمراد بالبصر بصر الرحمان، وقال صاحب المطالع: بصر