وقواعد الشرع متظاهرة على هذا ولا يمكن أن يقال الظاهر في اليد النجاسة، وأما الحديث فمحمول على التنزيه ثم مذهبنا ومذهب المحققين أن هذا الحكم ليس مخصوصًا بالقيام من النوم بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد فمتى شك في نجاستها كُرِهَ له غَمْسُها في الإناء قبل غسلها سواء قام من نوم الليل أو النهار أو شك في نجاستها من غير نوم وهذا مذهب جمهور العلماء، وحكي عن أحمد بن حنبل رواية أنه إن قام من نوم الليل كره كراهة تحريم كان قام من نوم النهار كره كراهة تنزيه ووافقه عليه داود الظاهري اعتمادًا على لفظ المبيت في الحديث؛ وهذا مذهب ضعيف جدًّا فإن النبي صلى الله عليه وسلم نبه على العلة بقوله فإنه لا يدري أين باتت يده ومعناه أنه لا يأمن النجاسة على يده وهذا عام لوجود احتمال النجاسة في نوم الليل والنهار وفي اليقظة، وذكَر الليل أولًا لكونه الغالب ولم يقتصر عليه خوفا من توهم أنه مخصوص به بل ذكر العلة بعده، والله سبحانه وتعالى أعلم. هذا كله إذا شك في نجاسة اليد أما إذا تيقن طهارتها وأراد غمسها فقد قال جماعة من أصحابنا حكمه حكم الشك لأن أسباب النجاسة قد تخفى في حق معظم الناس فسدَّ الباب لئلا يتساهل فيه من لا يعرف، والأصح الذي عليه الجمهور من أصحابنا أنه لا كراهة فيه بل هو في خيارٍ بين الغمس أوَّلًا والغسل لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النوم ونبه على العلة وهي الشك فإذا انتفت العلة انتفت الكراهة ولو كان النهي عامًّا لقال إذا أراد أحدكم استعمال الماء فلا يغمس يده حتى يغسلها وكان أعم وأحسن، قال أصحابنا: وإذا كان الماء في إناء كبير أو صخرة بحيث لا يمكن الصب منه وليس معه إناء صغير يغترف به فطريقه أن يأخذ الماء بفمه ثم يغسل كفيه به أو يأخذ بطرف ثوبه النظيف أو يستعين بغيره، والله أعلم. اهـ من المنهاج.
قال القرطبي: تمسك داود الظاهري والطبري بظاهر هذا الخبر فأوجبا غسل اليدين على من قام من النوم ليلًا أو نهارًا للوضوء وحكَمَا بأن الماء ينجس إن لم يغسل يديه قبل أن يدخلهما فيه وخصه ابن حنبل وبعض أهل الظاهر بنوم الليل خاصة لأنهما فَهِما من لفظ البيات نوم الليل لما رواه أبو داود في هذا الحديث حيث قال: (إذا استيقظ أحدكم من الليل) وذكر الحديث، وذهب الجمهور إلى أن ذلك على جهة الاستحباب بدليل تعليله في آخره بقوله:(فإنه لا يدري أين باتت يده) ومعنى ذلك أن يد