(قال) أبو إسحاق: (قلتُ لعبدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ) الحنظلي المَرْوزيّ: (يا أبا عبد الرحمنِ) كُنْية عبد الله بن المبارك (الحديثُ) مبتدأ (الذي جاء) ورُويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم، والموصولُ صفة للمبتدإ؛ أي: رُويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم بلَفْظِ: ("إن من البِرِّ) الكامل المطلوبِ، والإحسانِ الجميل المندوب لك أيها الإنسانُ (بعدَ البِر) والخيرِ الذي فَعَلْتَهُ لنفسك، والجازُ والمجرورُ في قوله:(إن من البِر) خبر مُقَدم لإن، واسمُها المصدرُ المُنْسَبِكُ من جملةِ قوله:(أنْ تُصَلِّيَ) الصلاةَ الشرعيةَ المندوبةَ (لأبَويكَ) أي: لوالِدَيكَ (مَعَ صَلاتكَ) الصلاةَ الشرعيةَ لنفسك، أو المرادُ بالصلاةِ: الصلاةُ اللغوية وهي الدعاءُ، وهذا لا خلافَ فيه في مطلوبيته.
(و) إن من البر بعدَ البِر أنْ (تَصُومَ لهما) أي: للوالدَين الصومَ الشرعي (مَعَ صَوْمكَ") لنفسِكَ، أو المعنى: إن من البِر للوالدَينِ بعدَ موتهما -بعدَ البِرِّ والإحسان إليهما في حياتِهما- أنْ تُصَلِّي لهما مع صلاتك وتصومَ لهما مع صَوْمِك، وخبرُ المبتدإ في قوله:(الحديثُ الذي جاءَ) محذوف تقديرُه: الحديثُ الذي جاءَ عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ هل هو صحيح أم لا؟ فأجابه بقوله: ليس بصحيحٍ في ضِمْنِ قوله: (قال يا أبا إسحاق ... ) إلخ.
(قال) أبو إسحاق: (فقال) لي (عبدُ اللهِ) بن المباركِ في الجواب: (يا أبا إسحاقَ؛ عَمَّنْ) رُويَ (هذا) الحديثُ؟ (قال) أبو إسحاق: (قلتُ له) أي: لعبدِ اللهِ بنِ المبارك: (هذا) الحديثُ (من حديثِ شِهابِ بنِ خِرَاشٍ) بالخاء المعجمة المكسورة؛ أي: من حديثٍ رواه شِهَابُ بن خِرَاشِ بنِ حَوْشَبٍ الشيباني أبو الصَّلْتِ الواسطي، ابنُ أخي العَوام بن حَوْشَب، نزل الكوفة.