لخوف سقوطها على شيء تتلفه أو لاتخاذ موضعها مسجدًا أو قطعها في بلاد الكفار إذا لم يُرج فتحها لأن فيه نكاية وغيظًا لهم وإضعافًا وإرغامًا اهـ.
(وقوله بقبور المشركين فنبشت) فيه جواز نبش القبور الدارسة وأنه إذا أُزيل ترابها المختلط بصديدهم ودمائهم جازت الصلاة في تلك الأرض وجواز اتخاذ موضعها مسجدًا إذا طيبت أرضه، وفيه أن الأرض التي دُفن فيها الموتى ودرست يجوز بيعها وأنها باقية على ملك صاحبها وورثته من بعده إذا لم تُوقف. قوله (وكانوا يرتجزون) فيه جَوازُ الارتجازِ وقولُ الأشْعَار في حال الأعمال والأسفار ونحوها لتنشيطِ النفوس وتسهيلِ الأعمال والمَشْي عليها، واختلف أهل العروض والأدب في الرجز هل هو شعر أم لا؟ واتفقوا على أن الشعر لا يكون شعرًا إلا بالقصد أمَّا إذا جرَى كَلامٌ موزونٌ بغيرِ قصد فلا يكون شعرًا، وعليه يُحمل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك لأن الشعر حرام عليه صلى الله عليه وسلم، والصحيحُ أن الرجز شعر لأن الشعر هو كلام موزون تلتزم فيه قَوافٍ مخصوصة والرجز كذلك، وأيضًا فإن قريشا لما اجتمعوا وتَراءوا فيما يقولون للناس عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال قائل: نقول هو شاعر، فقالوا: والله لَتُكذِّبَنَّكم العربُ، قد عرفنا الشعرَ كُلُّه هزجَه ورجزَه ومقبوضَه ومبسوطه فذكروا الرجزَ من جملةِ أنواع الشعر، وإنما أخرجه من جنس الشعر مَنْ أشكلَ عليه إنشادُ النبي صلى الله عليه وسلم إياه فقال: لو كان شعرًا لمَا عَلِمَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى قال: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} وهذا ليس بشيء لأن من أنشد القليل أو قاله أو تمثل به على الندورِ لم يستحق به اسم الشاعر ولا يقال فيه إنه تعفمَ الشعر ولا يُنسب إليه ولو كان كذلك للزم أن يُقال على الناس كلهم شعراء ويعلمون الشعر لأنهم لا يخلون أن يعرفوا كلامًا موزونًا مرتبطًا على أعاريض الشعر، ثم (قوله كانوا يرتجزون ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم) ليس فيه دليل راجح على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان المنشد بل الظاهر منهم أنهم كانوا المرتجزين وهم بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فإن الواو للحال، ورسول مبتدأ، ومعهم خبره، والجملة في موضع الحال، هذا هو الظاهر ويحتمل أن يكون معطوفا على المضمر في يرتجزون والله أعلم.
وهذا الحديث وشبهه يستدل به على جواز إنشاد الشعر والاستعانة بذلك على