للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ في صَلاتِهِ فَليَتَحَرَّ الصوَابَ، فَليُتِم عَلَيهِ، ثُمَّ يسْجُدْ سَجْدَتَينِ"

ــ

ولا يقره عليه، ثم اختلفوا هل من شرط التنبيه اتصاله بالحادثة على الفور وهذا مذهب القاضي أبي بكر، والأكثر من العلماء قالوا بل يجوز في ذلك التراخي ما لم ينخرم عمره وينقطع تبليغه وإليه نحا أبو المعالي، ومنعت طائفة من العلماء السهو عليه في الأفعال البلاغية والعبادات الشرعية كما منعوه اتفاقًا في الأقوال البلاغية واعتذروا عن الظواهر الواردة في ذلك وإليه مال الأستاذ أبو إسحاق، وشذت الباطنية وطائفة من أرباب علم القلوب فقالوا: لا يجوز النسيان عليه، وإنما ينسى قصدًا ويتعمد صورة النسيان لِيَسُنَّ ونحا إلى قولهم عظيم من أئمة التحقيق وهو أبو المظفر الإسفراييني في كتابه "الأوسط" وهذا منحى غير سديدٍ، وجمع الضد مع الضد مستحيل بعيد (قلت) والصحيح أن السهو عليه جائز مطلقًا إذ هو واحد من نوع البشر فيجوز عليه ما يجوز عليهم إذا لم يقدح في حاله، وعليه نبه حيث قال: "إنما أنا بشر أنسى كما تنسون" غير أن ما كان منه فيما طريقه بلاغ الأحكام قولًا أو فعلًا لا يقر على نسيانه بل ينبه عليه إذا تعينت الحاجة إلى ذلك المبلغ فإن أقر على نسيانه ذلك فإنما ذلك من باب النسخ كما قال تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إلا مَا شَاءَ اللَّهُ} اهـ من المفهم.

(وإذا شك أحدكم في صلاته) أصلي زائدًا أم ناقصًا (فليتحر الصواب) أي فليجتهد ويعزم في طلب الصواب واليقين بغلبة ظنه واجتهاده، والتَّحَرِّي طلَبُ الحرِيِّ وهو اللائق والحقيق والجدير أي فليطلبه بغلبة ظنه واجتهاده، قال الطيبي: التحري القصد والاجتهاد في الطلب والعزم على تحصيل الشيء بالفعل، وعبارة النواوي: التحري هو القصد ومنه قوله تعالى: {تَحَرَّوْا رَشَدًا} ومعنى الحديث فليقصد الصواب فليعمل به، وقصد الصواب هو ما بينه في حديث أبي سعيد الخُدرِيّ وغيره، والضمير البارز في قوله (فليتم عليه) عائد إلى ما دل عليه فليتحر، والمعنى فليتم على ذلك ما بقي من صلاته بأن يضم إليه ركعة أو ركعتين أو ثلاثًا وليقعد في موضع يحتمل القعدة الأولى وجوبًا، وفي موضع يحتمل القعدة الأخيرة فرضًا وبقي حكم آخر وهو أنَّه إذا لم يحصل اجتهاد وغلبة ظن فليبن على الأقل المستيقن كما سبق في حديث أبي سعيد كذا في المرقاة (ثم ليسجد سجدتين) وثم هنا لمجرد التعقيب، وفيه إشارة إلى أنَّه يسجد ولو وقع تراخ ما لم يقع منه مناف كذا في المرقاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>