الإله (الذي أخذ) وقبض (بأبي أنت) أي أنت مفدي بأبي (وأمي يا رسول الله بنفسك) أي بروحك متعلق بأخذ، وجملة الفداء معترضة لتأكيد الكلام؛ والمعنى أي كما توفاك الله في النوم توفاني أو يقال معناه غلب على نفسي ما غلب على نفسك من النوم؛ أي كان نومي بطريق الاضطرار لا بالاختيار ليصح الاعتذار، أي قال ذلك على طريق الاعتذار مما كان تكفل به من إيقاظهم من النوم، والنفس هنا هي التي تتوفى بالنوم والموت كما قال تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا}[الزمر: ٤٢] وقد عبر عنها في الموطإ في هذا الحديث بالروح فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حينٍ غير هذا" فما سماه بلال نفسًا سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روحًا، فهما إذن عبارتان عن معبر واحد، وهذا مذهب أئمتنا والذي يفهم من مجموع ما في الكتاب والسنة وأقاويل علمائنا أن ذلك؛ هو لطيفة مودعة في الأجساد مشاركة لجميع أجزائها التي تحلها الحياة يتأتى إخراجها من الجسد وإدخالها فيه وقبضها منه أجرى الله العادة بخلق الحياة في الجسد ما دامت فيه تلك اللطيفة وهي القابلة للعلوم والإنسان هو الجسد وتلك اللطيفة، اهـ من المفهم (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه (اقتادوا) بصيغة الأمر أي قودوا رواحلكم لأنفسكم آخذين بمقاودها (فاقتادوا) بلفظ الماضي أي فقادوا (رواحلهم) جمع راحلة (شيئًا) يسيرًا من الزمان أو اقتيادًا قليلًا من المكان، يعني قال اذهبوا برواحلكم فذهبوا بها من ثمة مسافة قليلة اهـ من العون، أي قاد كل منهم راحلته لنفسه انتقالًا من ذلك المنزل الذي فاتهم فيه أداء صلاة الصبح، ومعلوم أن القود نقيض السوق ففي القود يكون الرجل أمام الدابة، وفي السوق يكون خلفها، فإن قادها لنفسه يقال اقتادها، وقد جاء التصريح بذلك في الرواية الثانية.
قال القرطبي: استدل بعض الأحناف على أن الفرائض لا تقضى في هذا الوقت بهذا الحديث لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما ارتحل عن ذلك الموضع ليخرج الوقت المنهي عنه، وهذا تحكم بل كما يحتمل ما ذكروه يحتمل أنَّه إنما كان ذلك ليعم النشاط جميعهم، وأبين من ذلك كله ما قد نص عليه من كراهية ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم - "ليأخذ كل رجل بأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان" وقد زاد أبو داود في