هذه السورة عن إنزالها تعنى أنها متأخرة النزول عما قبلها وهي قوله تعالى {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيلِ} الآية (اثنى عشر شهرًا في السماء) وقوله (حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف) غاية لقوله (افترض قيام الليل)(فصار قيام الليل) وصلاته (تطوعًا) أي نفلًا (بعد فريضة) أي بعد كونه فرضًا، وظاهر هذا الكلام أنه صار تطوعًا في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمة، فأما الأمة فهو تطوع في حقهم بالإجماع، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فاختلفوا في نسخه في حقه، والأصح عندنا نسخه، وأما ما حكاه القاضي عياض عن بعض السلف أنه يجب على الأمة من قيام الليل ما يقع عليه الاسم ولو قدر حلب شاة فغلط ومردود بإجماع من قبله مع النصوص الصحيحة أنه لا واجب إلا الصلوات الخمس اهـ نواوي، قال القرطبي: وقول عائشة إن الله فرض قيام الليل إلى قولها فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة ظاهر قولها هذا يدل على أنه كان فرضًا عليه وعلى الناس، قال مكي: وهو قول كافة أهل العلم، وقيل إنه لم يكن فرضًا عليه ولا عليهم حكاه الأبهري عن بعضهم قال: لقوله {نِصْفَهُ أَو انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيهِ} [المزمل: ٣ - ٤] وليس هذا دأب الفروض، وإنما هو ندب، وقيل كان فرضًا على النبي صلى الله عليه وسلم وحده مندوبًا لغيره وكأن هذا مأخوذ من مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} فخص بالخطاب، وبما روي عن ابن عباس مرفوعًا "ثلاث عليّ فريضة ولكم تطوع؛ الوتر والضحى وركعتا الفجر" وهو ضعيف، والصحيح ما نقلته عائشة، وقولها إن النسخ كان بعد حول خولفت في ذلك، وقيل بعد عشر سنين، قال عياض: وهو الظاهر لأن السورة مكية ومن أول ما نزل من القرآن إلا الآيتين آخرها نزلت بالمدينة، وهذا الذي قاله صحيح؛ فصحيح الأحاديث والنقل المشهور تؤيده على ما قدمناه في كتاب الإيمان اهـ مفهم (قال) سعد بن هشام (قلت) لها (يا أم المومنين أنبئيني) أي أخبريني (عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت) عائشة (كنا نعد) ونهيئ (له سواكه وطهوره) بفتح أوله ماء يتوضأ به (فيبعثه الله) سبحانه وتعالى أي يوقظه لأن النوم أخو الموت قال تعالى {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيلِ}(ما شاء أن ببعثه) أي أن يوقظه (من الليل) فالموصول عبارة عن المقدار،