متوجهين (إليها) وإفراد التجارة برد الكناية لأنها المقصودة كما في أنوار التنزيل، ثم إن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم هذه إنما كانت بعد الصلاة كخطبة العيد كما في مراسيل أبي داود فإن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ما كانوا يدعون الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم ولكنهم ظنوا أنه لا شيء في الانفضاض عن الخطبة بعد انقضاء الصلاة وبعد هذه القضية كان يخطب قبل الصلاة اهـ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الصلاة والبيوع والتفسير، والترمذي في التفسير، والنسائي [٣/ ١١٠].
فقد اختلف العلماء في العدد المشروط في وجوب الجمعة، وفي العدد الذي تصح ببقائهم إذا تفرقوا عن الإِمام بعد شروعه فيها على أقوال كثيرة فلنرسم فيه مسئلتين: - المسألة الأولى: اختلف هل يشترط في وجوب الجمعة عدد أم لا؟ فذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والفقهاء إلى اشتراطه، وذهب داود إلى أنه لا يشترط ذلك في وجوبها وتلزم المنفرد وهي ظهر ذلك اليوم عنده لكل أحد، قال القاضي عياض: وهو خلاف الإجماع، واختلف المشترطون هل هو مختص بعدد محصور أم لا؟ فعدم الحصر هو مذهب مالك فإنه لم يشترط في ذلك حدًّا محدودًا، وإنما قال: يكونون: بحيث يمكنهم الثواء في بلدهم وتتقرى بهم قرية، وفسره بعض أصحابنا بنصب الأسواق فيها حكاه عياض، والمشترطون للعدد اختلفوا في تعيينه فمن قائل: مائتان، ومن قائل: خمسون قاله عمر بن عبد العزيز، ومن قائل: أربعون قاله الشافعي، ومن قائل: ثلاثون بيتًا قاله مطرف وعبد الملك ومالك، ومن قائل: اثنا عشر، ومن قائل: أربعة قاله أبو حنيفة لكن إذا كانوا في مصر وقال غيره: ثلاثة، وقيل: واحد مع الإِمام وهذه أقوال متكافئة وليس على شيء منها دليل فالأصل ما صار إليه مالك من عدم التحديد والتمسك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم والعمل المتصل في ذلك فإنهم كانوا يجمعون في الأمصار الكبار والقرى الصغار كجواثا وغيرها.
وأما المسألة الثانية: فقد اختلفوا فيما إذا كمل ما تنعقد به الجمعة ثم تفرقوا عن الإِمام، فقيل: إنها تجزئ وإن بقي وحده قاله أبو ثور وحكي عن الشافعي، وقيل: إذا بقي معه اثنان وهو قول الثوري والشافعي، وقيل: إذا بقي معه اثنا عشر رجلًا تمسكًا بهذا الحديث وحكاه أبو يعلى العبدي عن أصحاب مالك وبه قال إسحاق، ثم اختلفوا