للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِذْ لَا يُؤْمَنُ عَلَى بَعْضِ مَنْ سَمِعَ تِلْكَ الأَخْبَارَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا، أَوْ يَسْتَعْمِلَ بَعْضَهَا وَأَقَلُّهَا أَوْ أَكْثَرُهَا أَكَاذِيبُ لَا أَصْلَ لَهَا، مَعَ أَنَّ الأَخْبَارَ الصِّحَاحَ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ وَأَهْلِ الْقَنَاعَةِ

ــ

غارًّا لعوامِّ المسلمين في دينهم بسبب روايته تلك الأحاديث الموضوعة من غير بيان لحالها لهم، وكان كمن غَشَّ الناس ببَيع البضاعةِ الفاسدةِ لهم من غير بيان لعَيبِها لهم، ففي الكلامِ إمَّا استعارةٌ تصريحيةٌ تبعيةٌ أو تشبيهٌ بليغٌ، والعوامُّ: جمعُ عامة، وهم الدِّين لم يُرْزَقُوا التيقُّظَ والمعرفةَ بأسبابِ الحديث وعِلَلِهِ وأسبابِ الردِّ والقبولِ كما مَرَّ في أول الكتاب.

و(إذْ) في قوله: (إذْ لا يُومَنُ) حرفُ تعليلٍ، عَلَّلَ بها جوابَ الشرط؛ أي: وإنما كان غاشًّا لعوامّ المسلمين؛ لأنه لا يُؤْمَنُ (على بعضِ مَنْ سَمعَ تلك الأخبارَ) الموضوعةَ والأحاديثَ الكاذبةَ (أَنْ يَسْتَعْمِلَها) كُلَّها (أو يَسْتَعْمِلَ بعضَها) في حُكْمٍ من الأحكام الشرعية من التحليل والتحريم والأَمْرِ والنَّهْي؛ أي: لا يُؤْمَنُ على مَنْ سَمِعَها العملُ بها في حُكْمٍ من الأحكام مُستدلًا بها لظَنِّه صحَتَها، فالمرادُ بالبعض: هُمُ العوامُّ الذين لم يرزقوا معرفةَ عِلَلِ الحديث وأسبابه.

وجملةُ قوله: (وأَقَلُّها أو أَكْثَرُها أكاذيبُ) حالٌ مِنْ مفعولِ (يَسْتَعْمِلَها) أي: لا يُؤمن على بعض مَنْ سَمعها من العوامّ العملُ بها كُلّها أو ببعضها في حُكْمٍ من الأحكام، والحالُ أن أقلَّ تلك الأخبار التي أَقْدَم على الرواية بها من يعرف حالها وحال راويها من غير بيان لحالهما أو كثرَها، أي: معظمها أكاذيبُ باطلةٌ وأساطيرُ عاطلةٌ (لا أَصْلَ لها) أي: لا مَخْرَجَ ولا مأخَذَ ولا سَنَدَ لها، فيكون ذلك المُقْدِمُ على روايتها من غير بيان لحال مَنْ رَوَى عنه لمن يروي لهم غاشًّا لهم بظاهرِ صحتها حتَّى عَمِلُوا بها في حُكْمٍ من الأحكام فيستحقّ العقوبة الأُخروية؛ لدخوله في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ غَشَّ .. فليس منّا"، وفي بعض النُّسَخ: (ولعلَّها أو أكثرَها أكاذيبُ).

والظرفُ في قوله: (مَعَ أَنَّ الأخبارَ الصِّحَاحَ) متعلِّقٌ بقوله: (ثُمَّ أَقْدَمَ) أي: ثُمَّ أَقْدَمَ على الرواية بالأحاديث الكاذبة مع أن الأخبارَ الصحيحةَ المتواترةَ (من روايةِ الثِّقَاتِ) الأَثْباتِ (و) من رواية (أهلِ القَنَاعةِ) الذين يقنعون ويكتفون بالأحاديث

<<  <  ج: ص:  >  >>