وأما عد هذا الرجل المنافق من الأنصار كما في رواية الأعمش فلكونه من قبائلهم والله أعلم.
(قال) عبد الله: (فقلت) في نفسي: (والله لأخبرن رسول الله قال الله عليه وسلم) بما قال هذا الرجل: (قال) عبد الله: (فأتيته) صلى الله عليه وسلم (فأخبرته بما قال) الرجل فيه جواز إخبار الإمام وأهل الفضل بما يقال فيهم مما لا يليق بهم ليحذروا القائل وفيه بيان ما يباح من الغيبة والنميمة لأن صورتهما موجودة في صنيع ابن مسعود هذا ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم وذلك إن قصد ابن مسعود كان نصح النبي صلى الله عليه وسلم وإعلامه بمن يطعن فيه ممن يظهر الإسلام ويبطن النفاق ليحذر منه وهذا جائز كما يجوز التجسس على الكفار ليؤمن مكرهم وكيدهم وقد ارتكب الرجل المذكور بما قال إثمًا عظيمًا فلم يكن له حرمة (قال) ابن مسعود: (فتغيَّر وجهه) صلى الله عليه وسلم (حتى كان كالصرف) أي كالصبغ الأحمر وهو بكسر الصاد المهملة وسكون الراء صبغ أحمر يصبغ به الجلود قال ابن دريد: وقد يسمى الدم أيضًا صرفًا (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله قال) عبد الله: (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله موسى) - عليه السلام - (قد أوذي بأكثر من هذا) أي بأشد من هذا الذي أوذيت به (فصبر) فلي أسوة به.
والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على ابن مسعود نقله ما نقل بل غضب من قول المنقول عنه ثم حلم عنه وصبر على أذاه استئساءً بموسى - عليه السلام - وامتثالًا لقوله تعالى:{فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}[الأنعام: ٩٠] قال الحافظ: وقد تقدمت الإشارة إلى أن المذموم من نقلة الأخبار من يقصد الإفساد وأما من يقصد النصيحة ويتحرى الصدق ويجتنب الأذى فلا وقل من يفرق بين البابين فطريق السلامة في ذلك لمن يخشى عدم الوقوف على ما يباح من ذلك مما لا يباح الإمساك عن ذلك اهـ.