نفسه عليه بالمسابقة إلى الكلام فبين وجه اعتذاره عن ذلك، وذلك أنه علم من صاحبه أنه يأكل الكلام إليه إما لكونه أسن منه أو لكونه أحسن منه سؤالًا وأبلغ بيانًا وأبسط لسانًا، وإما لحياءٍ يلحق صاحبه يمنعه من السؤال، وإما إيثارًا له والله أعلم. اهـ قرطبي مع زيادة.
قال يحيى بن يعمر (فقلت) أنا لعبد الله بن عمر مخاطبًا له بكنيته احترامًا له وتعظيمًا (يا أبا عبد الرحمن) كنية عبد الله بن عمر.
وفي اقتصاره على الكنية دليل على ما كان عليه السلف من الاقتصاد في كلماتهم وترك الإطراء والمدح وإن كان حقًّا، فقد كان ابن عمر من أعلم الناس وأفضلهم، وابن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ومع ذلك فلم يمدحوه بشيء من ذلك مع جلالته، ولا أطروه محاسبة منهم لأنفسهم على ألفاظهم، واكتفاء بما يُعلم من فضائل الرجل عن القول والمدح الذي يخاف منه الفتنة على المادح والممدوح.
(إنه) أي إنَّ الشأن والحال (قد ظهر قبلنا) أي في ناحيتنا وجانبنا في البصرة (ناس) أي طائفة من المبتدعة أي فشا مذهبهم وانتشر في البصرة وهو من الظهور الذي يضاد الخفاء (يقرؤون القرآن) أحسن القراءة ويجودونه لاعتنائهم بالقرآن، والجملة الفعلية في محل الرفع صفة لناس على القاعدة المشهورة أن الجمل والظروف إذا وقعت بعد النكرات تكون صفة وإذا وقعت بعد المعارف تكون حالًا غالبًا وقوله (ويتقفّرون العلم) معطوف على يقرؤون، قال النووي: وهذه اللفظة بتقديم القاف وتأخير الفاء أي يتتبعون العلم ويطلبونه لشدة اهتمامهم بالعلم، يقال اقتفر أثره إذا تتبعه هذا هو المشهور، وقيل معناه يجمعون العلم، ورواه أبو العلاء بن ماهان (يتفقرون) بتقديم الفاء على القاف ومعناه يبحثون عن أسراره ويستخرجون غوامضه ومن طريق ابن الأعرابي (يتقفون) بتقديم القاف على الفاء مع الواو بدلًا من الراء من قفوته إذا تتبعته، ومنه سميت القافة لتتبعها الآثار، قال تعالى {وَقَفَّينَا عَلَى آثَارِهِمْ} وكل متقارب المعنى ولبعضهم (يتقعرون) بالعين أي يطلبون قعره أي غامضه ومنه تقعر في كلامه إذا أتى بالغريب منه وفي رواية أبي يعلى الموصلي (يتفقهون) بزيادة الهاء أي يتعلمون العلم.