قال الأبي: فاللغات خمس روي الحديث منها بالأوليين وإنما كانت رواية ابن ماهان أشبه بسياق الحديث لأن تفقر بتقديم الفاء هي بمعنى بحث وبحث أخص من طلب وهذه الطائفة كانت من الذكاء وصحة القريحة بمنزلة رفيعة لأن معنى (وذكر من شأنهم) عظم أمرهم وشأنهم في العلم بحيث يكترث بقولهم وإذا كانوا كذلك فالأشبه أن يُعَبَّر عنهم بما معناه يبحثون لا يطلبون انتهى.
(وذكر) يحيى بن يعمر (من شأنهم) أي من شأن هؤلاء المبتدعة وحالهم ووصفهم بالفضيلة في العلم والاجتهاد في تحصيله والاعتناء به، قال السنوسي: ففيه حذف المفعول تعظيمًا له بالإبهام أي ذكر من شأنهم في البحث عن العلم واستخراج غوامضه شيئًا عظيمًا أو بالتعميم لتذهب النفس فيه كل مذهب ممكن ويحتمل أن يكون الغرض في حذفه صون اللسان عن ذكره ويكون المعنى وذكر من شأنهم في نفي القدر والابتداع في العقائد ما يجب أن يصان اللسان عن ذكره، وقال النووي: وهذه الجملة من كلام بعض الرواة الذين دون يحيى بن يعمر والظاهر أنه من كلام ابن بريدة الراوي عن يحيى مباشرة انتهى.
وقال القرطبي: وإنما ذكر له ما ذكر من أوصافهم تنبيهًا له على الاعتناء بمقالتهم والبحث عنها ليوضح أمرها فإن كلامهم قد وقع من القلوب بالموقع الذي لا يزيله إلَّا إيضاح بالغ وبرهان واضح ولما فهم ابن عمر ذلك أفتى بإبطال مذهبهم وفساده وحكم بكفرهم وتبرأ منهم واستدل على ذلك بالدليل القاطع عنده من الحديث المرفوع.
وعبارة السنوسي والغرض من وصفهم بالاجتهاد في العلم والتوسع فيه الموجب لهم القدوة وتقليد الغير المبالغة في استدعاء ابن عمر رضي الله عنهما لاستفراغ الوسع في النظر فيما يزعمون لأن أقوال الأغبياء قد لا يهتم العلماء بشأنها ويكتفون في ردها بأدنى نظر فجواب ابن عمر رضي الله تعالى عنهما بعد تلك الأوصاف من أثبت شيء وأحقه، وقد يكون الغرض في ذكر ما وصفهم به من العلم وكونهم مع ذلك يزعمون ما يزعمون إظهار التشكي والتلهف بما نال المسلمين من مصيبتهم، إلَّا أن هذا إنما يحسن إذا كان ابن عمر قد أحس ببدعتهم وسوء نظرهم، وإنما سأل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ليحقق العلم من معدنه، ويرسخ ما كان في رويته، وهذا هو الظاهر إذ يبعد أن يخفى أمر أقوالهم على مثل يحيى بن يعمر، ويدل عليه قوله يزعمون على ما يأتي في