المخففة عطفًا تفسيريًّا، أي وذكر زعمهم عدم سابقية تقدير الله سبحانه الأشياء أزلًا وكون علم الله تعالى بالأشياء مستأنفًا تابعًا لوجودها وقوله (يزعمون) قال الأبي: الزعم بالضم اسم مصدر وبالفتح مصدر زعم إذا قال قولًا حقًّا أو كذبا أو غير موثوق به، فمن الأول حديث زعم جبريل، ومن الثاني قوله تعالى {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ومن الثالث بيت الأعشى:
ونبئت قيسًا ولم أبله ... كما زعموا خير أهل اليمن
فقال الممدوح وما هو إلَّا الزعم، وأبي أن يثيبه، والحديث المذكور هنا من الثاني، وأما حديث الترمذي بئس مطية الرجل زعموا فجعله ابن عطية من الثاني، واختلف في قول سيبويه: زعم الخليل، فجعله النووي من الأول، وجعله ابن عطية من الثالث انتهى.
والمراد بالقدر المذموم نَفْيُهُ المذكورِ في الحديث عِلْمُ اللهِ سبحانه وتعالى الأشياء بمقاديرها وأحوالها وأزمانها أزلًا قبل إيجادها، وقد تُرك اليوم وهو الذي عليه معبد وأتباعه ويسمى القدر الأول.
والقدر الثاني هو عبارة عن تأثير قدرة العبد، والقائل به المعتزلة حيث قالوا: العبد يخلق أفعاله، والخير من الله، والشر من غيره، والمعتزلة تنقسم إلى عشرين فِرقة يكفر بعضها بعضًا، وجميع الفرق العشرين فرقةٌ واحدة من الفرق الثلاث والسبعين، وسموا معتزلة لاعتزال أصلهم واصل بن عطاء، كان يجلس إلى الحسن فلما قال بتخليد العاصي اعتزله الحسن، فسُمي هو وأصحابه معتزلة.
ويلقبون أيضًا بالقدرية لقولهم: إنَّ قدرة العبد مؤثرة ويسمون أنفسهم أصحاب العدل لقولهم إنَّ الله سبحانه لا يفعل إلَّا الخير، ويجب عليه رعاية الأصلح.
قوله (وأن الأمر) أي وأن علم الله تعالى بالأشياء (أُنُفٌ) بضم الهمزة والنون أي مستأنف تابع لإيجادها لم يسبق به سابقة علم الله تعالى ولا مشيئته، وإنما أفعال الإنسان موجودة بعلم الإنسان واختياره، مأخوذ من أَنف الشيء وأنْفُ كل شيء أوله، ومنه أنف الوجه لأنه أول الأعضاء في الشخوص، وأنف السيل أوله كقول امرئ القيس:
قد غدا يحملني في أنفه ... لاحق الأيطل محبوك ممر
وروض أُنُفٌ لم يرع من قبل، وكذلك كأس أُنُفٌ لم يشرب بها قبل وإنما ابتدئ