رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين ظهراني أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أهو هو حتى يسأل فطلبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعل له مجلسًا يعرفه الغريب إذا أتاه فبنينا له دكانًا من طين -دكة مرتفعة يقعد عليها- فجلس عليه وإنا لجلوس عنده صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل من أحسن الناس وجهًا وأطيبهم ريحًا كان ثيابه لم يمسها دنس حتى سلم من طرف السماط - الصف من الناس - فقال السلام عليكم يا محمد فرد - عليه السلام -، قال أأدنوا يا محمد؟ قال ادنه، فما زال يقول أأدنو - مرارًا - ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ادنه حتى وضع يديه على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر بقية الحديث بنحو ما ذكر مسلم رحمه الله تعالى.
ففي هذا الحديث مع الزيادة المذكورة من الفقه، ابتداء الداخل بالسلام على جميع من دخل عليه وإقباله بالسلام على رأس القوم فإنه قال السلام عليكم فعم ثم قال: يا محمد فخص، وفيه أيضًا الاستئذان في القرب من الإمام مرارًا وإن كان الإمام في موضع مأذون في دخوله، وفيه أيضًا ترك الاكتفاء بالاستئذان مرة أو مرتين على جهة التعظيم والاحترام، وفيه جواز اختصاص العالم بموضع مرتفع من المسجد إذا دعت إلى ذلك ضرورة تعليم أو غيره وقد بين فيه أن جبريل وضع يديه على ركبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتفع الاحتمال الذي في لفظ رواية مسلم فإنه قال فيه (فوضع كفيه على فخذيه) وهو محتمل.
وإنما فعل جبريل ذلك والله أعلم تنبيهًا على ما ينبغي للسائل من قوة النفس عند السؤال وعدم المبالاة بما يقطع عليه خاطره وإن كان المسؤول ممن يُحترم ويُهاب، وعلى ما ينبغي للمسؤول من التواضع والصفح عن السائل، وإن تعدى على ما ينبغي من الاحترام والأدب انتهى.
وأخذ بعضهم من الحديث أن تكون جلسة المتعلم كذلك لأن الجلوس على الركبتين أقرب إلى التواضع وإسناد الركبتين إلى الركبتين أبلغ في الاستماع وألزم للجواب فإن جلوس السائل كذلك يدل على حرصه والمسؤول إذا علم حرص السائل ألزم نفسه الجواب، وقيل إنما جلس جبريل كذلك لأن له دالة الشيخ، ولهذا قال: صدقت، وإنما يقوله من طابق قول المسؤول ما عنده اهـ سنوسي.
(وقال) ذلك الرجل (يا محمد) قال القرطبي ناداه باسمه كما تناديه الأعراب