للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيفَ أَصْنَعُ بِمَا أُبْدِعَ عَلَيَّ مِنْهَا؟ قَال: "انْحَرْهَا. ثُمَّ اصْبُغْ نَعْلَيهَا فِي دَمِهَا. ثُمَّ اجْعَلْهُ عَلَى صَفْحَتِهَا. وَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ"

ــ

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال يا رسول الله كيف أصنع) وأفعل (بما أبدع) بالبناء للمجهول أي بما حبس (عليّ) من الكلال وانقطع عن السير (منها) أي من تلك البدن، ولم يقل بما أُبدع بي لأنه لم يكن هو راكبًا لها لأنها بدنة يسوقها بل قال أبدع عليّ لتضمين معنى الحبس كما ذكرنا (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (انحرها) أي انحر ما أبدع عليك منها (ثم اصبغ) بتثليث حركات الباء كما في القاموس (نعليها) أي اللتين قلدتهما في عنقها، والمراد بنعليها ما علق بعنقها من الأمدسة علامة لكونها هديًا، والنعل اسم لما وقيت به القدم من الأرض ليس بخاص بما وقي به حافر البدنة أي اغمسهما (في دمها ثم اجعله) أي اجعل كل واحدة من النعلين (على صفحتها) وفي المشكاة (ثم اجعلها) فإن النعل مؤنثة أي اجعل كل واحدة من النعلين على صفحة من صفحتي سنامها أي على جانب من جانبي سنامها لئلا يأكل منها الأغنياء أي ليعلم من مر بها أنها هدي فيأكلها من يستحقها من الفقراء ويتركها من لا يستحقها من الأغنياء (ولا تأكل منها أنت) يا ناجية (ولا أحد من أهل رفقتك) بضم الراء وسكون الفاء، وفي القاموس الرفقة مثلثة أي أحد من رفقائك، فأهل زائد أو الإضافة بيانية، قال الطيبي: سواء كان فقيرًا أو غنيًّا وإنما منعوا ذلك قطعًا لأطماعهم لئلا ينحرها أحد ويتعلل بالعطب، قال المازري: نهاه عن ذلك حماية أن يتساهل فينحره قبل أوانه بذلك، وقال القرطبي: قوله (ثم اجعلها على صفحتها) يعني النعل الذي قلدها به يجعله على صفحة عنقها، وإنما أمره بذلك ليكون ذلك علامة على أنه هدي فيمتنع منه كل من لا يحل له أكله، قوله (أنت ولا أحد من رفقتك) يعني برفقته المرافقين له في سوق الهدي ومن يتعلق به، وإنما منعه النبي صلى الله عليه وسلم ورفقته من أكلها سدًا للذريعة لأنه لو لم يمنعهم من ذلك لأمكن أن يبادروا إلى نحرها أو يتسببوا إلى ذلك ليأكلوها فلما منعهم من المحذور المتوقع انسد ذلك الباب، وهذا وأشباهه من المواضع الواقعة في الشريعة حمل مالكًا على القول بسد الذريعة وهو أصل عظيم لم يظفر به إلا مالك بدقة نظره وجودة قريحته، وبظاهر هذا النهي قال ابن عباس واختاره ابن المنذر فقالا: لا يأكل منها سائقها ولا أحد من أهل رفقته، وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور

<<  <  ج: ص:  >  >>