وسلم مجيبًا له: الإحسان هو (أن تعبد الله) سبحانه وتعالى (كأنك تراه) سبحانه وتعالى، أي حال كونك مستحضرًا خشية من يراه سبحانه، آتيًا بعبادتك مستوفاة الشرائط والأركان، فهذا إشارة إلى مقام المشاهدة، وهو أن تعبد الله سبحانه كأنك تراه (فإن لم تكن) أنت (تراه) سبحانه وتعالى (فإنه) سبحانه (يراك) أيها العابد، أي فإن لم تعبده وأنت من أهل الرؤية المعنوية فاعبده وأنت بحيث إنه يراك، أي فصور نفسك كأنك أعمى يفعل شيئًا عند بصير يخاف منه، وهذا يُسمى عندهم مقام المراقبة، وبهذا تعلم أن للعبد في عبادته ثلاثة مقامات: الأول: أن يفعلها على الوجه الذي يسقط معه التكليف أي مستوفاة الشرائط والأركان، الثاني: أن يفعلها وقد استغرق في بحار المشاهدة حتى كأنه يرى الله تعالى، وهذا مقامه صلى الله عليه وسلم كما قال:"وجعلت قرة عيني في الصلاة" والثالث: أن يفعلها كذلك وقد غلب عليه أن الله يراه ويراقبه وهذا أنزل مما قبله، وكل من المقامات الثلاث إحسان، إلَّا أن الإحسان الذي هو شرط في صحة العبادة إنما هو الأول لأن الإحسان بالأخيرين من صفة الخواص ويتعذر من كثير.
(فإن قلت) لِمَ آخر السؤال عن الإحسان مع أنه مطلوب في كل من الإسلام والإيمان؟
(قلت) آخره عنهما لأنه صفة الفعل، أو شرط في صحته، والصفة بعد الموصوف، وبيان الشرط متأخر عن المشروط اهـ من الأبي.
قال القاضي عياض: واشتمل الحديث على جميع وظائف العبادة الظاهرة والباطنة حتى إنَّ علوم الشريعة كلها ترجع إليه، ومنه تشعبت، قال الأبي: في جعل الإحسان قسمًا ثالثًا نظر لأنه فسره بالإخلاص، والإخلاص شرط العمل أو صفته، وشرط الشيء وصفته ليسا بقسيم له، ولاشتمال الأقسام الثلاثة على ما ذكر قصر السؤال عليها.
قال النووي:(قوله صلى الله عليه وسلم الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه) إلخ هذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم لأنا لو قدّرنا أن أحدًا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئًا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن الصمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلَّا أتى به فقال صلى الله عليه وسلم: "اعبد الله في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان" فإن