التتميم المذكور في حال العيان إنما كان لعلم العبد باطلاع الله سبحانه وتعالى عليه فلا يَقْدَم العبد على تقصير في هذا الحال للاطلاع عليه، وهذا المعنى موجود مع عدم رؤية العبد فينبغي أن يعمل بمقتضاه، فمقصود الكلام الحث على الإخلاص في العبادة ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى في إتمام الخشوع والخضوع وغير ذلك، وقد ندب أهل الحقائق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعًا من تلبسه بشيء من النقائص احترامًا لهم واستحياءً منه فكيف بمن لا يزال مُطلعًا عليه في سره وعلانيته اهـ منه.
(قال) الرجل (فأخبرني) يا محمد (عن الساعة) أي عن القيامة، أي عن وقت مجيئها، قال الزمخشري: وسميت ساعة لسرعة قيامها أو تفاؤلًا لما هي عليه من الطول، كما سُمِّي المهمه مفازة، أو لأنها عند الله تعالى كساعة، وليس السؤال عن وقت مجيئها ليعلم الحاضرون كالمسؤول عنه في الأسئلة السابقة بل لينزجروا عن السؤال عنها، فإنهم أكثروا السؤال عنها كما قال تعالى:{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ}.
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له (ما المسؤول عنها) أي عن الساعة يريد نفسه (بأعلم من السائل) يريد جبريل - عليه السلام - أو المراد التعميم لكل سائل ومسؤول عنها، فلما أجيبوا بأنه لا يعلمها إلَّا الله سبحانه كفوا عن السؤال عنها، لأن معنى ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، لا علم لي ولا لك ولا لأحد بها، وكان الأصل أن يقال هكذا ولكن عدل عنه إلى المذكور ليعم كل سائل ومسؤول، ويحتمل أن تكون الفائدة في العدول إلى المذكور التنبيه على أنه ينبغي للعالم والمفتي وغيرهما إذا سئل عما لا يعلم أن يصرح بعدم علمه من غير توقف بأن يقول: لا أعلم، لأن ذلك لا يُنقصه بل يدل على ورعه وتقواه ووفور عقله، ويكون المراد علة هذا بالمسؤول نفسه صلى الله عليه وسلم وفيه على هذا مبالغة في التواضع حيث يقول ما المسؤول عنها بأعلم من السائل.
(فإن قلت) إذا كان المعنى نفي العلم عن الجميع فالتركيب لا يقتضيه بل يقتضي العكس لأن نفي الأفضلية في شيء يقتضي التساوي في مطلق ثبوته، فإذا قلت: ما زيد بأعلم من عمرو فالمعنى إنهما شريكان في العلم وإن زيدًا لا يزيد (قلت) لا يقتضي التساوي في أصل الثبوت بل هو أعم من التساوي في الثبوت أو النفي، وحُمل الحديث على التساوي في النفي، وإن كان الأعمّ لا إشعار له بالأخص المعيَّن لأن عدم إشعاره بذلك إنما هو باعتبار ذات الأعم وإلا فقد تصحب الأعم قرينة لفظ أو سياق يكون