في العصر الأول يقبلون ممن قال: أردت بالبتة الواحدة فلما كان عهد عمر أمضى الثلاث في ظاهر الحكم كذا في فتح الباري.
قال القرطبي: أما حديث ابن عباس فلا يصح الاحتجاج به لأوجه منها:
(١) أنه ليس حديثًا مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ظاهره الإخبار عن أهل عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصر أبي بكر باتفاقهم على ذلك وإجماعهم عليه وليس ذلك بصحيح فاول من خالف ذلك بفتياه ابن عباس فروى أبو داود من رواية مجاهد عنه قال: كلنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثًا، قال: فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه ثم قال: ينطلق أحدكم يركب الحموقة ثم يقول: يا ابن عباس يا ابن عباس قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}[الطلاق: ٢] وإنك لم تتق الله فما أجد لك مخرجًا عصيت ربك وبانت منك امرأتك، رواه أبو داود [٢١٩٧]، وفي الموطإ عنه أن رجلًا قال لابن عباس: إني طلقت امرأتي مائة تطليقة، فقال له ابن عباس: طلُقت منك بثلاث، وسبعة وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوًا. رواه مالك في الموطإ [٢/ ٥٥٠]. وقال أبو داود: قول ابن عباس هو: (إن طلاق الثلاث يبين من الزوجة فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره مدخولًا بها كانت أو غير مدخول بها). ونحوه عن أبي هريرة وعبد الله بن عمر، وفي الموطإ أن رجلًا جاء إلى ابن مسعود فقال: إني طلقت امرأتي ثماني تطليقات، قال ابن مسعود: فماذا قيل لك؟ قال: قيل لي: إنها بانت منك، قال ابن مسعود: صدقوا هو كما يقولون. فهذا يدل على وجود الخلاف فيها في عصر الصحابة وأن المشهور عندهم المعمول به خلاف مقتضى حديث ابن عباس فبطل التمسك به.
(٢) ومنها: أنه لو سلمنا أنه حديث مسند مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما كان فيه حجة لأن ابن عباس راوي الحديث وقد خالفه بعمله وفتياه، وهذا يدل على ناسخ ثبت عنده أو مانع شرعي منعه من العمل به ولا يصح أن يظن به أنه ترك العمل بما رواه مجانًا (أي بلا بدل من ناسخ أو مانع شرعي) أو غالطًا لما عُلم من جلالته وورعه وحفظه وتثبته، قال أبو عمر بن عبد البر بعد أن ذكر عن ابن عباس فتياه من طرق متعددة بلزوم الطلاق ثلاثًا من كلمة واحدة: ما كان ابن عباس ليُخالف رسول الله صلى الله عليه