وسلم والخليفتين إلى رأي نفسه، ورواية طاوس وهم وغلط لم يعرج عليها أحد من فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام والمشرق والمغرب، وقيل إن أبا الصهباء لا يُعرف في موالي ابن عباس.
(٣) ومنها: أنه لو سلمنا كل ما تقدم لما كان فيه حجة للاضطراب والاختلاف الذي في سنده ومتنه وذلك أن أبا الصهباء رواه عن ابن عباس بتلك الألفاظ المختلفة التي وقعت في كتاب مسلم كما ستذكر، وقد روى أبو داود من حديث أيوب عن غير واحد عن طاوس أن رجلًا يقال له أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس قال: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرًا من خلافة عمر، فلما رأى الناس تتابعوا فيها قال: أجيزوهن عليهم، رواه أبو داود [٢١٩٩]. فقد اضطرب فيه أبو الصهباء عن ابن عباس في لفظه كما ترى، وقد اضطرب فيه طاوس فمرة رواه عن أبي الصهباء ومرة عن ابن عباس نفسه ومهما كثر الاختلاف والتناقض ارتفعت الشقة لا سيما عند المعارضة على ما يأتي.
ثم العجب أن معمرًا روى عن ابن طاوس عن أبيه أن ابن عباس سُئل عن رجل طلق امرأته ثلاثًا فقال له: لو اتقيت الله لجعل لك مخرجًا، انظر سنن أبي داود [٢/ ٦٤٩]. وظاهر هذا أنه لا مخرج له من ذلك وأنها ثلاث وهذه كرواية الجماعة الكثيرة عن ابن عباس كسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وعمرو بن دينار ومحمد بن إلياس بن البكير والنعمان بن أبي عياش كلهم رووا عنه أنه ثلاث وأنها لا تحل له إلا من بعد زوج.
(٤) ومنها: لو سلمنا سلامته من الاضطراب لما صح أن يحتج به لأنه يلزم منه ما يدل على أن أهل ذلك العصر الشريف كانوا يكثُر فيهم إيقاع المحرمات والتساهل فيها وترك الإنكار على من يرتكبها وبيان اللزوم أن ظاهره أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقع الطلاق الثلاث كثيرًا منهم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعصر أبي بكر وسنتين من خلافة عمر أو ثلاث وششفتون علماءهم ويفتونهم بأنها واحدة ولا ينكرون عليهم مع أن الطلاق ثلاثًا في كلمة واحدة محرم بدليل قول ابن عمر وابن عباس