قصدهم إليه ويشهد بصحة هذا التأويل قول عمر رضي الله عنه: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، وقد تاوله غير علمائنا على أن ذلك كان في المطلقة قبل الدخول كما دل عليه حديث أبي داود الذي تقدم ذكره وأبدى بين المدخول بها وغيرها فرقًا فقال: إنما جعلوه في غير المدخول بها واحدة، وكان هؤلاء أشاروا إلى أن قوله لغير المدخول بها أنت طالق قد أبانها وبقي قوله ثلاثًا لم يصادف محلًا فأجروا المتصل مجرى المنفصل وهذا ليس بشيء فإن قوله أنت طالق ثلاثًا كلام واحد متصل غير منفصل، ومن المحال البين إعطاء الشيء حكم نقيضه وإلقاء بعض الكلام الواحد، وأشبه هذه التأويلات الثاني على ما قررناه، والله سبحانه وتعالى أعلم. وهذا الكلام في حديث ابن عباس وأما حديث ابن عمر أنه طلق امرأته ثلاثًا فغير صحيح كما قد ذكره مسلم عن ابن سيرين كما قدمناه وأيضًا فإن الدارقطني روى عن أحمد بن صبيح عن طريف بن ناصح عن معاوية بن عمار الدهني عن أبي الزبير قال: سالت ابن عمر عن رجل طلق امرأته ثلاثًا وهي حائض فقال لي: أتعرف ابن عمر؟ قلت: نعم، طلقت امرأتي ثلاثًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السنة. قال الدارقطني: كلهم شيعة رواه الدارقطني [٤/ ٧] وقال غيره: ما فيهم من يحتج به.
وأما حديث أبي ركانة فحديث مضطرب منقطع لا يُسند من وجه يحتج به رواه أبو داود من حديث ابن جريج عن بعض بني أبي رافع وليس فيهم من يحتج به عن عكرمة عن ابن عباس وقال فيه: إن عبد يزيد بن ركانة طلق امرأته ثلاثًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أرجعها" رواه أبو داود [٢١٩٦] وقد رواه أيضًا من طريق نافع بن عجير أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته ألبتة، فاستحلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أراد بها فحلف ما أراد بها إلا واحدة فردها إليه، رواه أبو داود [٢٢٠٦] فهذا اضطراب في الاسم والفعل ولا يحتج بشيء من مثل هذا فقد ظهر وتبين أنهم لا حجة لهم في شيء مما تمسكوا به، فأما حجة الجمهور فالتمسك بالقاعدة المقررة أن المطلقة ثلاثًا لا تحل لمطلقها حتى تنكح زوجا غيره ولا فرق بين مفرّقها ومجموعها إذ معناهما واحد لغة وشرعًا وما يتخيل من الفرق بينهما فصوري ألغاه الشرع قطعًا في النكاح والعتق والإقرار فلو قال الولي للخاطب في كلمة واحدة: أنكحتك هؤلاء الثلاث، فقال: قبلت، لزم النكاح كما إذا قال: أنكحتك هذه وهذه وهذه، وكذلك في العتق والإقرار