(رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل علمت) يَا صاحب الهدية (أن الله قد حرمها) أي قد حرم الخمر، قال النووي: لعل السؤال كان ليعرف حاله فإن كان عالمًا بتحريمها أنكر عليه هديتها وإمساكها وحملها وعزره على ذلك فلما أخبره أنَّه كان جاهلًا بذلك عذره، والظاهر أن هذه القضية كانت على قرب تحريم الخمر قبل اشتهار ذلك وفي هذا أن من ارتكب معصية جاهلًا تحريمها لا إثم عليه ولا تعزير اهـ من التكملة. وفي رواية أن هذا المهدي كان قد خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل تحريم الخمر ولذلك سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ووقع في رواية فليح عند أَحْمد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هل علمت أن الله حرمها بعدك؟ "(قال) الرَّجل المهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) أي ما علمت أن الله حرمها، قال القرطبي: وقول المهدي (لا) يدل على قرب عهد التحريم بزمن الإهداء ثم إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بيّن له الحكم ولم يوبخه ولم يذمه لأن الرَّجل كان متمسكًا بالإباحة المتقدمة ولم يبلغه الناسخ فكان ذلك دليلًا على أن الحكم لا يرتفع بوجود الناسخ بل ببلوغه كما قررناه في الأصول اهـ من المفهم (فسارَّ) الرَّجل المهدي (إنسانًا) كان معه وكان هذا الإنسان غلامًا له كما هو مصرح في رواية القعقاع عند أَحْمد وكان يقول بعيره كما هو مصرح في رواية عبد الرَّحْمَن بن إسحاق عند أَحْمد (فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بم ساررته) إليه أي إلى جليسك (فقال) الرَّجل المهدي: (أمرته) أي أمرت جليسي (ببيعها) أي بيع هذه الخمر (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن) الإله (الذي حرم شربها حرم بيعها، قال) ابن عباس: (ففتح) الرَّجل المهدي (المزاد) أي فم القربة (حتَّى ذهب) وخرج (ما فيها) وسال على الأرض (وقوله: بم ساررته) قال القرطبي: فيه دليل على أن العالم إذا خاف على أحد الوقوع فيما لا يجوز وجب عليه أن يستكشف عن ذلك الشيء حتَّى يتبين له وجهه ولا يكون هذا من باب التجسس بل من باب النصيحة والإرشاد اهـ من المفهم.