للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويصلحه وأكل الحرام والشبهة يفسده ويقسيه ويظلمه وقد وجد ذلك أهل الورع حتى قال بعضهم: استسقيت جُنديًا فسقاني شربة ماء فعادت قسوتها على قلبي أربعين صباحًا، وقيل الأصل المصحِّح للقلوب والأعمال أكل الحلال ويُخاف على آكل الحرام والمتشابه أن لا يقبل له عمل ولا تسمع له دعوة ألا تسمع قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: ٢٧] وآكل الحرام المسترسل في الشبهات ليس بمتق على الإطلاق وقد عضد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس إن الله طيب ولا يقبل إلا طيبًا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: ١٧٢] وقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: ٥١] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يقول: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغُذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك" رواه مسلم والترمذي، ولما شرب أبو بكر جرعة لبن من شبهة استقاءها فأجهده ذلك حتى تقياها فقيل له: أكُل ذلك في شربة فقال: والله لو لم تخرج إلا بنفسي لأخرجتها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به" رواه الطبراني في الكبير.

وعند هذا يعلم الواحد منا قدر المصيبة التي هو فيها وعظم المحنة التي ابتلي بها إذ المكاسب في هذه الأعصار قد فسدت وأنواع الحرام والشبهات قد عمت فلا يكاد منا اليوم يتوصل إلى الحلال ولا ينفك عن الشبهات فإن الواحد منا وإن اجتهد فيما يعمله فكيف يعمل فيمن يعامله مع استرسال الناس في المحرمات والشبهات وقلة من يتقي ذلك من جميع الأصناف والطبقات مع ضرورة المخالطة والاحتياج للمعاملة، وعلى هذا فالخلاص بعيد والأمر شديد ولولا النهي عن القنوط واليأس لكان ذلك أولى بأمثالنا من الناس لكنا إذا دفعنا عن أنفسنا أصول المحرمات واجتهدنا في ترك ما يمكننا من الشبهات فعفو الله تعالى مأمول وكرمه مرجو فلا ملجأ لنا إلا هو ولا مفزع إلا إليه ولا استعانة إلا به ولا استغاثة إلا إليه ولا حول ولا قوة إلا باللهِ العلي العظيم.

(تنبيه) ثان: وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الشريعة حتى لقد قال أبو داود: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث الثابت منها أربعة آلاف حديث وهي ترجع إلى أربعة أحاديث: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" متفق عليه، و"من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" رواه الترمذي وابن ماجه،

<<  <  ج: ص:  >  >>