للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَال: "إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ، إلا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً. وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يُنْفَعَ بِكَ أَقْوَامٌ

ــ

بتقدير همزة الاستفهام الاستخباري كما هي مصرحة في بعض الروايات وبالبناء للمجهول أي هل أخلف وأترك في مكة (بعد) رجوع (أصحابي) ورفقتي الذين هاجرنا معهم أي بعد رجوعهم معك إلى المدينة هذا الاستفهام إنما صدر عن سعد مخافة أن يكون مقامه بمكة بعد رجوع أصحابه إلى أن يموت بها قادحًا في هجرته كما قد نص عليه في الرواية الأخرى إذ قد قال فيها: (لقد خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت بها) فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بما يقتضي أن ذلك لا يكون وأنه يطول عمره إلى أن ينتفع به أقوام ويستضر به آخرون، وقد كان ذلك فإنه عاش بعد ذلك نيفًا وأربعين سنة وولي العراق أميرًا وفتح الله تعالى على يديه بلادًا كثيرة كفارس فأسلم على يديه بشر كثير فانتفعوا به وقتل وأسر من الكفار خلقًا كثيرًا فاستضروا به فكان ذلك القول من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم وأدلة صدق رسالته اهـ من المفهم.

فـ (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك) يا سعد (لن تخلّف) في الدنيا وتبقى فيها بعد موت أصحابك، والمراد بالتخفف هنا طول العمر والبقاء في الحياة بعد جماعات من أصحابه المهاجرين (فتعمل) فيها (عملًا) صالحًا (تبتغي) وتطلب (به) أي بذلك العمل (وجه الله) تعالى ورضاءه (إلا ازددت به) أي بذلك العمل عند الله (درجة) ومنزلة شامخة (ورفعة) وجاهًا في أهل الإسلام كما ولي العراق فيما ذكرنا آنفًا.

(ولعلك) يا سعد (تخلَّف) بالبناء للمجهول أي تبقى في الدنيا بعد موت أصحابك يعني يطول عمرك، وكلمة لعل وإن كانت للترجي ولكنها من الله للأمر الواقع المحقق وكذلك إذا وردت على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم غالبًا، وقد وقع الأمر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فإن سعدًا عاش بعد ذلك أكثر من أربعين سنة بل قريبًا من خمسين لأنه مات سنة خمس وخمسين من الهجرة، وقيل سنة ثمان وخمسين وهو المشهور فيكون عاش بعد حجة الوداع خمسًا وأربعين أو ثمانيًا وأربعين كذا في فتح الباري [٥/ ٢٧٤].

(حتَّى ينفع بك أقوام) الظاهر أن ينفع ها هنا مبني للمجهول فتُضم ياؤه لأن النفع في المجرد لا يُستعمل لازمًا وكذلك يضر، وقد وقع في غير مسلم من الروايات (حتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>