وإِنما كنتُ أوَّل من يصيبه نَفْعُ ذلك (لأسبابٍ) وأمورٍ (كثيرةٍ) تَخُصُّني عن غيري (يَطُولُ بذِكْرِها) أي: بذكر تلك الأسبابِ وتفصيلِها وتَعْدَادِها (الوَصْفُ) أي: الكلامُ، والمُرَادُ بـ (ذِكْرِها): ذِكْرُها على سبيل التفصيل، وإِلَّا. . فهو قد تَعَرَّضَ لها على سبيل الجملة.
وتلك الأسبابُ كاعتنائي بذلك التلخيص، والبحثِ عن خَفِيّ معاني المتون وعِلَل الأسانيد، والفِكْرِ في ذلك، ودوامِ الاعتناء به، ومراجعةِ أهل المعرفة؛ فإنه يُثَابُ على ذلك كُلِّه.
وكلمةُ إِلَّا في قوله:(إلَّا أَنَّ جُملَةَ ذلك) استدراكيةٌ بمعنى لكنْ، اسْتَدْرَكَ بها على جملة قوله:(أَنَّك هَمَمْتَ بالفَحْصِ عن تَعَرُّفِ جُمْلَةِ الأخبارِ. . .) إِلخ.
وجملةُ أَنَّ في قوله:(أَنَّ ضَبْطَ القليلِ) في محلِّ جرٍّ بلام التعليل المقدّرة معطوفة على علَّةٍ محذوفةٍ لخبرِ أَن المحذوفِ من قوله: (أَنَّ جُمْلَة ذلك)، والتقديرُ: لكنْ أَنَّ تَعَرُّفَ جملة ذلك المذكور من الأخبار المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفةَ جميعه غيرُ ضروري وغيرُ مطلوب؛ لعُسْرِه وصعوبتِه على كثيرِ من الناس.
وَلِـ (أَنَّ ضَبْطَ القليلِ) وإِثباتَه في الصُّدُورِ والسُّطُورِ (من هذا الشَّأْنِ) والعلمِ يعني: علمَ الحديثِ روايةً (وإِتقانَه) أي: وإِتقانَ القليلِ منه وإِحكامَه وإِيقانَه بتحقيق مُتُونِه وأسانيدهِ صِحَّةً وضَعْفًا (أَيسَرُ) وأسهلُ (على المَرْءِ) والطالبِ؛ لِقِلَّتِه وخِفَّتِه على الأذهان (من مُعَالجَةِ الكثيرِ) أي: من محاولةِ الكثير ومطالبةِ جَمْعِه (منه) أي: من هذا الشأن والفنِّ؛ لكثرتِه وثقَلِ حِفْظِه على الأذهان.
يُقال: ضَبَطَ الكلامَ يَضْبطُه من باب ضَرَبَ إِذا حَفِظَهُ حفظًا بليغًا، وضَبَطَ الكتابَ إِذا صَحَّحَه وشَكَلَه، والضَّبْطُ هنا قسمان:
إِمَّا ضبطُ صَدْرٍ، وهو: أنْ يُثْبِتَ ما سمعه بحيث يتمكَّنُ من استحضاره متى شاء.
أو ضبطُ كتابٍ، وهو: أن يَصُونَه لديه منذ سَمعَ فيه وصَحَّحَه إِلى أن يروي منه.