وعن أخذ شرارها ومعيبتها نظرًا لحقوق المستحقين، بل خذ منهم أوساطها نظرًا للجانبين (واتق دعوة المظلوم) أي وتحرز استجابة دعوة الذي ظلم بأخذ كرائم أمواله وقبول لعنته عليك (فإنَّه) أي فإن الشأن والحال (ليس بينها) أي بين دعوة المظلوم ولو كافرًا (وبين الله) أي وبين قبول الله إياها (حجاب) أي حاجز ومانع فإنها سريعة القبول والاستجابة على الظالم وتأخير الإجابة في بعض الأحيان إمهال للظالم لا إهمال.
وهذا الحديث من أصح الأحاديث فإنَّه شارك المؤلف في روايته أحمد وأصحاب الأمهات الخمس فقد رواه أحمد في (١/ ٢٣٣) والبخاري في (١٤٥٨) و (٤٣٤٧) و (٧٣٧١) وأبو داود في (١٥٨٤) والترمذي (٦٢٥) والنسائيُّ (٥/ ٥٢ وَ ٥٥) وابن ماجه (١٧٨٣).
(قوله فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله) إلخ قال القرطبي وهذا الذي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به معاذًا هو الدعوة قبل القتال التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُوصي بها أمراءه وقد اختلف في حكمها على ما يأتي في الجهاد وعلى هذا فلا يكون في حديث معاذ حجة لمن تمسك به من المتكلمين على أن أول واجب على كل مكلف معرفة الله تعالى بالدليل والبرهان بل هو حجة لمن يقول إن أول الواجبات التلفظ بكلمتي الشهادة مصدقًا بها وقد اختلف المتكلمون في أول الواجبات على أقوال كثيرة منها ما يُشنع ذكره ومنها ما ظهر ضعفه.
والذي عليه أئمة الفتوى وبهم يقتدى كمالك والشافعيُّ وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة السلف أن أول الواجبات على المكلف الإيمان التصديقي الجزمي الذي لا ريب معه بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وما جاءت به الرسل على ما تقرر في حديث جبريل كيفما حصل ذلك الإيمان وبأي طريق إليه توصل، وأما النطق باللسان فمظهر لما استقر في القلب من الإيمان وسبب ظاهر تترتب عليه أحكام الإِسلام وتفصيل ما أجملناه يستدعي تفصيلًا وتطويلًا يُخرج كلامنا عن المقصود. انتهى.
وقوله (فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات) إلخ قال القاضي عياض يحتج بهذا الحديث من قال عدم خطاب الكفار بالفروع لأنه لم يُخاطبهم بها إلا بعد الإيمان وأجاب عنه الآخر بأنه إنما قدم الإيمان لأنه آكد كما قدم الصلاة على الزكاة لذلك ولأن الإيمان شرط أداء لا شرط وجوب اهـ.