للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال الأبي: تقديم الإيمان جيء به على صورة تقديم الشرط وتقديم الصلاة إنما هو تقديم نسق فليس التقديمان سواء، وعلى أنَّه شرط أداء يكون معنى (افترض) طالبهم بالامتثال، وأما تعلق الوجوب فكان بالبلوغ والأظهر في إخبارهم بذلك على التدريج لكونه أدعى إلى الإجابة اهـ.

وعبارة القرطبي هنا وقد احتج بهذا الحديث من قال إن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة من حيث إنه - صلى الله عليه وسلم - إنما خاطبهم بالتوحيد أولًا فلما التزموا ذلك خاطبهم بالفروع التي هي الصلاة والزكاة.

وهذا لا حجة لهم فيه لوجهين أحدهما أنَّه لم ينص النبي - صلى الله عليه وسلم - على أنَّه إنما قدم الخطاب بالتوحيد لما ذكروه، بل يحتمل ذلك، ويحتمل أن يقال إنه إنما قدمه لكون الإيمان شرطًا مصححًا للأعمال الفروعية لا للخطاب بالفروع، إذ لا يصح فعلها شرعًا إلا بتقدم وجوده ويصح الخطاب بالإيمان وبالفروع معًا في وقت واحد، وإن كانت في الوجود متعاقبة، وهذا الاحتمال أظهر مما تمسكوا به ولو لم يكن أظهر فهو مساوٍ له فيكون هذا الخطاب مُجملًا بالنسبة إلى هذا الحكم.

وثانيهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما رتب هذه القواعد ليبين الأوكد فالأوكد والأهم فالأهم والله أعلم واقتصار النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذكر القواعد الثلاث لأنها كانت هي المتعينة عليهم في ذلك الوقت، ولا يظن أن الصوم والحج لم يكونا فرضا إذ ذاك لأنَّ بعث معاذ إلى اليمن كان في سنة تسع وقد فرض الحج وقتئذ، وأما الصوم فقد فرض في السنة الثانية من الهجرة، ومات النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ باليمن على الصحيح، وفي تفسير الثعالبي أنَّه رجع من اليمن وهو - صلى الله عليه وسلم - حيٌّ فسجد لرسول الله فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "ما هذا يا معاذ؟ " فقال: هكذا رأيت اليهود والنصارى تسجد لأحبارها وأساقفتها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كذبوا إنما السجود لله تعالى" وقول من قال إن الرواة سكتوا عن ذكر الصوم والحج قولٌ فاسد لأنَّ الحديث قد اشتهر واعتنى الناس بنقله سلفًا وخلفًا فلو ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له شيئًا من ذلك لنقل والله أعلم.

قال السنوسي: ويؤخذ من هذا الحديث أن الوتر ليس بواجب لأنَّ بعث معاذ كان

<<  <  ج: ص:  >  >>