للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَنَادَاهُ. فَقَال: يَا مُحَمَّدُ! يَا مُحَمَّدُ! وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا رَقِيقًا. فَرَجَعَ إِلَيهِ فَقَال: "مَا شَأْنُكَ؟ " قَال: إِنِّي مُسْلِمٌ. قَال: "لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْركَ، أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلاحِ"

ــ

وذهب (فناداه) أي نادى الأسير النبي صلى الله عليه وسلم مرة ثانية (فقال: يا محمد يا محمد) تعال إليّ مرتين، وكان هذا النداء من الرجل على جهة الاستلطاف والاستعطاف ولذلك رق له رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع له (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا) بالعباد بإحسانه إليهم (رقيقًا) أي رقيق القلب شفيقه غير غليظه (فرجع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إليه) مرة ثانية (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما شأنك) أي ما حالك وما مطلبك إذ ناديتني مرة ثانية، رحمة ورفقًا على مقتضى خلقه الكريم ولذلك قال الراوي: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا رفيقًا فـ (قال) له الرجل: شأني (إني مسلم) أي داخل في الإسلام فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو قلتها) أي لو قلت كلمة الإسلام (وأنت) أي والحال أنك (تملك أمرك) وشأنك قبل الأسر أي لو قلتها حين كنت مالك أمرك أي في حال اختيارك قبل كونك أسيرًا أي لو قلت ما تقوله الآن وهو أنك مسلم قبل أسرك (أفلحت كل الفلاح) بالفوز بالإسلام وبالسلامة من الأسر لأنه لا يجوز أسرك لو أسلمت قبل الأسر ولما أسلمت بعد الأسر أفلحت بعض الفلاح حيث سقط الخيار في قتلك وبقي الخيار بين الاسترقاق والمن والفداء ففُدي بالرجلين، قال النووي: وفي هذا جواز المفاداة وأن إسلام الأسير لا يُسقط حق الغانمين منه بخلاف ما لو أسلم قبل الأسر اهـ وليس في الحديث دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم لم يقبل منه إسلامه وأما فداؤه اللازم له الرجوع إلى دار الكفر فلا ينافي إسلامه لجواز أن يكون الرد شرطًا في العهد الذي بينه وبينهم ويكون قادرًا على إظهار دينه لقوته في قومه؛ والمعنى لو قلت ما تقوله الآن وهو أنك مسلم حين تملك أمرك يعني قبل الأسر لنجيت نفسك من الأسر في الدنيا ومن العذاب في الآخرة فإن الرجل إذا أقر بالإسلام قبل أن يؤسر لم يجز أسره ولا قتله، وأما إذا أسلم بعد الأسر فقد نجى نفسه من القتل فقط ولكن يجوز للإمام أن يسترقه أو يُمنّ عليه أو يفاديه فإن الإسلام بعد الأسر لا ينافي الاسترقاق اهـ.

وقوله: (إني مسلم) قال القرطبي: ظاهر اللفظ أنه قد صار مسلمًا بدخوله في دين

<<  <  ج: ص:  >  >>