للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثُمَّ انْصَرَفَ. فَنَادَاهُ. فَقَال: يَا مُحَمَّدُ! يَا مُحَمَّدُ! فَأَتَاهُ فَقَال: "مَا شَأْنكَ؟ " قَال: إِنِّي جَائِعْ فَأَطْعِمْنِي.

وَ

ــ

الإسلام، وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم أنه لم يَقبل ذلك منه حين أجابه بقوله: "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح" أي قد فزت كامل الفوز وحينئذٍ يلزم منه إشكال عظيم فإن ظاهره أنه لم يُقبل منه إسلامه لأنه أسير مغلوب عليه لا يملك نفسه وعلى هذا فلا يصح إسلام الأسير في حال كونه أسيرًا وصحة إسلامه معلوم من الشريعة لا خلاف فيها غير أن إسلامه لا يُزيل ملك مالكه بوجه وهو أيضًا معلوم من الشارع. ولما ظهر هذا الإشكال اختلفوا في الانفصال عنه فقال بعض العلماء: يمكن أن يكون علم النبي صلى الله عليه وسلم من حاله أنه لم يصدق في ذلك بالوحي ولذلك لما سأله في المرة الثالثة فقال: إني جائع فأطعمني وظمآن فاسقني قال: هذه حاجتك؟ وقال بعضهم: بل إسلامه صحيح وليس فيه ما يدل على أنه رد إسلامه، ومال الأبي في شرحه إلى أن الرجل إنما أظهر إسلامه تقية ولم يؤمن بقلبه عرفه النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي فلذلك رده إلى الكفار وهذا الوجه مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن غيره لا يعرف حقيقة ما في قلب الرجل فنحن مأمورون بالجريان على الظاهر اهـ منه.

وأما قوله: (لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح) أي لو قلت كلمة الإسلام قبل أن تؤسر لبقيت حرًّا من أحرار المسلمين لك ما لهم من الحرية في الدنيا وثواب الجنة في الآخرة وأما إذا قلتها وأنت أسير فإن حكم الرق لا يزول عنك بإسلامك؟ فإن قيل: فلو كان مسلمًا فكيف يُفادى به من الكفار رجلان مسلمان، فالجواب أنه ليس في الحديث نص على أنه رجع إلى بلاده بلاد الكفر فيمكن أن يقال: إنما فُدي بالرجلين من الرق فأعتق منه بسبب ذلك وبقي مع المسلمين حرًّا من الأحرار، وليس في قوله هذه حاجتك ما يدل على أن إسلامه ليس بصحيح كما ظنه القائل الأول وإنما معنى ذلك هذه حاجتك حاضرة متيسرة (قلت): وهذا الوجه الثاني أولى لأنه لا نص في الحديث يرده ولا قاعدة شرعية تبطله والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.

(ثم انصرف) ورجع من عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم (فناداه) مرة ثالثة (فقال يا محمد يا محمد) على وجه الاستعطاف كما مر (فأتاه) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) له: (ما شأنك) وحاجتك (قال) الرجل: (إني جائع فأطعمني و) إني

<<  <  ج: ص:  >  >>