وقوله:(يُوَقِّفَه) بفتح الواو وتشديد القاف المكسورة لا غير على الأفصح الأشهر، قال النوويُّ: (فلا يَصِحُّ أن يُقرأ هنا بالتخفيف؛ لأنَّ اللغةَ الفصيحةَ الشهيرةَ: وَقَّفْتُ فلانًا على كذا بالتشديد، فلو كان مخففًا. . لكان حَقُّه أن يُقال: بأنْ يَقفَه على التمييز، بخلاف ما قَدَّمناه في قوله:"تُوَقَّفَ على جُمْلَتِها") (١) أي: فإنه بالتخفيف والتشديد معًا.
والفاءُ في قوله:(فإذا كان الأَمْرُ) فاءُ الفصيحة؛ لأنها أفصحتْ عن جواب شرطٍ مُقَدَّرٍ، تقديرُه: إِذا عَرَفْتَ ما ذكرتُه لك وأردتَ بيان ما هو الأَوْلَى والأَحْرَى. . فأقول لك: إِذا كان الأمرُ المرغوبُ والشأْنُ المطلوبُ (في هذا) الفنُ والشأنِ كائنًا (كما وَصَفْنا) هُ؛ أي: كائنًا كالحُكْم الذي ذَكَرْناه آنفًا مِن أَنَّ ضبطَ القليلِ أيسرُ على المَرْءِ من معالجة الكثير.
وأَتَى المصنِّفُ بنون العظمة؛ إِشارةً إِلى استحقاقه العظمةَ؛ لكونه من أهل العلم على سبيل التحدُّث بالنِّعْمة، وجوابُ إِذا مذكورٌ بقوله:(فالقَصْدُ) أي: فالتوجُّهُ بالجَنَانِ والاشتغالُ باللِّسان.
وقولُه:(منه) مُقَدَّمٌ على محلِّه؛ لأنه صفةٌ للقليل المذكور بعدَه، والجارُّ والمجرورُ في قوله:(إلى الصحيحِ) متعلِّقٌ بالقَصْد؛ أي: فالقصدُ والتوجُّهُ بالقلب إِلى الصحيح (القليلِ) الكائنِ منه؛ أي: من هذا الفنّ، والاشتغالُ به باللسان؛ أي: صرفُ الهمَّة إلى تحصيلِ القليل منه وضَبْطِه (أَوْلَى) وأَحْرَى وأَحَقُّ (بهم) أي: بالعوامِّ الذين لا تمييزَ عندهم؛ لسهولتِه عليهم (من ازديادِ) واستكثار الحديث (السَّقِيمِ) والضعيف؛ لعدم معرفتهم بأسبابِه وعِلَلِه، وعدمِ صلاحيتهم للتمييزِ بين مراتبه، (وإنَّما يُرْجَى) ويطمع (بعضُ المنفعةِ) أي: حصولُ شيءٍ من المنفعة والفائدة.