وعند غيره فاستغنى عن إثباته لشهرة ذلك وفيه استقرار المدعى عليه بعد سماع الدعوى لإمكان إقراره فتسقط وظيفة إقامة البينة عن المدعي كما وقع في هذا الحديث (قوله: لو لم يعترف أقمت عليه البينة) فيه بيان الأصل في ثبوت الدماء الإقرار أو البينة وأما القسامة فعلى خلاف الأصل كما تقدم وفيه استقرار المحبوس والمتهدد وأخذه بإقراره وقوله: (كيف قتلته) سؤال استكشاف عن حال القتل لإمكان أن يكون خطأ أو عمدًا ففيه من الفقه وجوب البحث عن تحقيق الأسباب التي تنبني عليها الأحكام ولا يكتفى بالإطلاق وهذا كما فعله النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مع ماعز حين اعترف على نفسه بالزنا على ما يأتي وقوله: (هل لك من شيء تؤديه عن نفسك) يدل على أنَّه صلى الله عليه وسلم قد ألزمه حكم إقراره وأن قتله كان عمدًا إذ لو كان خطأ لما طالبه بالدية ولطولب بها العاقلة ويدل على هذا أيضًا قوله: (أترى قومك يشترونك) لأنه لما استحق أولياء المقتول نفسه بالقتل العمد صاروا كالمالكين له فلو دفع أولياء القاتل عنه عوضًا فقبله أولياء المقتول لكان ذلك كالبيع وهذا كله إنما عرضه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على القاتل بناء منه على أنَّه إذا تيسر له ما يؤدي إلى أولياء المقتول سألهم في العفو عنه ففيه من الفقه السعي في الإصلاح بين النَّاس وجواز الاستشفاع وإن رفعت حقوقهم إلى الإِمام بخلاف حقوق الله تعالى فإنَّه لا تجوز الشفاعة فيها إذا بلغت الإِمام قوله: (ما لي مال إلَّا كسائي وفأسي) فيه من الفقه أن المال يقال على كل ما يتمول من العروض وغيرها وأن ذلك ليس مخصوصًا بالإبل ولا بالعين إلى غير ذلك والله أعلم اهـ من المفهم.
ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
٤٢٥٦ - (١٦٢٦)(١٨٩)(حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ النَّيسَابُورِيّ (قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحْمَن بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى (أن امرأتين) اسم إحداهما مليكة والأخرى أم غطيف وكانتا ضرتين تحت حمل بن مالك بن النابغة الهذلي كذا أخرجه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما وقيل: إن الأخرى أم