أي لما حضرت وحلت أبا طالب أسبابُ الموت من المرض المُخَرِّف وما يتبعه (جاءه) وحضره (رسول الله صلى الله عليه وسلم) في منزله وبيته (فوجد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عنده) أي عند أبي طالب (أبا جهل) عمرو بن هشام فرعون هذه الأمة (وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة) من صناديد قريش (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لعمه أبي طالب (يا عم) منادى مضاف حذفت منه ياء الإضافة اجتزاءً عنها بالكسرة، لأنه كان شقيق والده عبد الله بن عبد المطلب (قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها) يوم القيامة (عند الله) تعالى بالإيمان، وقوله (لا إله إلا الله) مقول محكي لقل، وقوله (كلمةً) أحسن إعراب فيها النصب على أنها بدل من لا إله إلا الله، ويجوز رفعها على إضمار المبتدأ أي هي كلمة، والجملة بدل من لا إله إلا الله أيضًا و (أشهد) بالرفع في محل النصب أو الرفع صفة لكلمة، ويجوز الجزم فيه على أنه جواب الأمر أي إن تقل أشهد لك، وكل ذلك ترغيب وتذكير لأبي طالب وحرص على نجاته، ويأبى الله إلا ما يريد.
قال الأبي: قوله (قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله تعالى) الأظهر أنها كناية عن الشهادتين، لأنه لا يثبت حكم الإسلام عندنا إلا بهما وتقدم ما للشافعية في ذلك، ويحتمل أنه لم يسأله إلا كلمة التوحيد لأنه كان يعلم صحة رسالته؛ حسبما دلت عليه السير والتعبير بلفظ أشهد، وفي الآخر بأحاجج بعثٌ لأبي طالب على أن يقول الكلمة المشرفة، وقال القاضي عياض: وشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك من قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} الآية، ولو وقعت شهادة أبي طالب لكان فيها تطييب لقلبه صلى الله عليه وسلم لعلمه بموته على الإسلام كقوله في قتلى أحد:"أنا شهيد على هؤلاء" ولقلْبِ عمِّه لما يرجو له من جزيل الثواب بشهادته له مع ما تقدم له من نُصرته والذب عنه، وإن كانت في الكفر غير نافعة لكن يرجى له نفعها لموته على الإسلام لمكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نالته بركته مع كفره وموته عليه فكيف بموته على الإسلام وسيأتي استيفاء الكلام على هذا الفصل إن شاء الله تعالى.