وشهادته صلى الله عليه وسلم فضيلة لمن رزقها كما قال في الصابر على شدة المدينة "كنت له شهيدًا أو شفيعًا"(فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية) لأبي طالب (أترغب) وتعرض (عن ملة) أبيك (عبد المطلب) وعن دينه دين الإشراك إلى دين هذا الصابئ الذي هو التوحيد الذي يدعوك إليه وتريد الموت عليه وهذا لا ينبغي، ولم يقولا له لا تفعل وعدلا إلى هذا اللفظ لأنه أبعث لأبي طالب على الإباية (فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لم يبرح (يعرضها) أي يعرض كلمة التوحيد (عليه) أي على أبي طالب ويلقنها له ليقولها (ويعيد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (له) أي لأبي طالب (تلك المقالة) أي قوله يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله تعالى ويكررها له ليقولها، وجملة يعيد معطوفة على جملة يعرضها والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على أبي طالب يعرض عليه الشهادة ويكررها عليه، قال القاضي عياض: وفي بعض النسخ (ويعيدان له) بضمير التثنية العائد على أبي جهل وابن أبي أمية أي يعيدان له مقالتهما له أترغب عن ملة عبد المطلب وهذا أشبه من ويعيد، والمعنى أنهما أعادا على أبي طالب قولهما له أترغب عن ملة عبد المطلب حتى أجابهما إلى ذلك.
وقوله (حتى قال أبو طالب) غاية لقوله فلم يزل أي فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ملقنًا له ومكررًا عليه تلك المقالة حتى قال أبو طالب (آخر ما كلمهم) أي كلم الحاضرين عنده من النبي صلى الله عليه وسلم والرجلين وغيرهم وآخر منصوب بنزع الخافض أي إلى أن قال أبو طالب في آخر كلامه إياهم (هو) مستمر (على ملة عبد المطلب) ودينه دين الشرك لم يقل أنا على الحكاية لحسن الأدب وهذا الشأن في نقل كل قبيح، وعبارة النواوي هنا فهذا من أحسن الآداب والتصرفات وهو أن من حكى قول غيره القبيح أتى به بضمير الغيبة لقبح صورة لفظه الواقع (وأبى) أي امتنع (أن يقول لا إله إلا الله) أي من قولها وإقرارها، قال الأبي: والحديث نص في أنه مات مشركًا وهو مفهوم قوله تعالى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} وحديث وجدته في غمرات من نار