فأخرجته إلى ضحضاح، قال السهيلي: ورأيت في بعض كتب المسعودي وقيل: إنه مات مؤمنًا ولا يصح لما تقدم من الآي والأحاديث ولا يحتج لذلك بما في السير من قول العباس: والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته بها يا رسول الله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم أسمعها، ولو أن العباس شهد بذلك بعد إسلامه قُبِلَتْ شهادته لأن العدل إذا قال سمعت وقال الأعدل لم أسمع أخذ بقول من أثبت لأن عدم السماع قد يكون لسبب (فإن قُلت) قد ذكرت أن السير تدل على أنه كان مصدقًا بقلبه، وقدمت الخلاف في صحة إيمان من صدق بقلبه ولم ينطق بلسانه فهل يدخل في إيمانه ذلك الخلاف.
(قلت) لا يدخل لأنه صرح بالنقيض في قوله: (وهو على ملة عبد المطلب) اهـ.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأبي طالب (أما) أي انتبه واستمع ما أقول لك وقولي هذا (والله) أي أقسمت لك بالله الذي لا إله غيره (لأستغفرن لك) أي لأطلبنَّ لك من الله سبحانه غفران شركك وذنوبك (ما لم أُنْهَ) أي ما لم أُمنع (عنك) أي عن الاستغفار لك، أي ما لم يمنعني ربي من الاستغفار لك، أي مدة عدم منع ربي ونهيه عن الاستغفار لك، فما مصدرية ظرفية وأنه فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بحذف الألف، وقال النواوي (أَمَ والله) هكذا رويناه بإسقاط الألف وهي في كثير من الأصول بالألف، قال ابن الشجري: هي ما المزيدة للتوكيد رُكبت مع همزة الاستفهام ولها معنيان: أحدهما بمعنى حقًّا نحو أما والله، وثانيهما بمعنى الاستفتاح نحو أما إن زيدًا منطلق أي ألا، وأكثر ما يحذف معها الألف في القسم ليدلوا على شدة اتصال الحرف الثاني بالأول لأن الكلمة إذا بقيت على حرف واحد لم تقم بنفسها فعُلم بحذف ألف ما افتقارها إلى الاتصال بالهمزة والله سبحانه وتعالى أعلم. وفيه جواز الحلف من غير استحلاف، وكان الحلف هنا لتوكيد العزم على الاستغفار وتطييبًا لنفس أبي طالب، وكانت وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة بقليل، قال ابن فارس؛ مات أبو طالب ولرسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يومًا، وتوفيت خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام.
قال الأبي: الأظهر أن استغفاره عن اجتهاد لأن ابن العربي ذكر عن عمرو بن دينار أنه صلى الله عليه وسلم قال استغفر إبراهيم - عليه السلام - لأبيه وهو مشرك لأستغفرن له