فَقَال:"يَا مُعَاذَ (١) بْنَ جَبَلٍ"؛ قُلتُ: لَبَّيكَ رَسُولَ الله وَسَعْدَيكَ،
ــ
(فقال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (يا معاذ بن جبل) بفتح قال معاذ على الإتباع لحركة ابن وهو الأشهر وبضمها على أصل حركة بناء المنادى المفرد ولا خلاف في نصب ابن لأنَّه صفة منصوبة تبعًا لمحل المنادى المفرد كما هو القاعدة المشهورة عند النُّحاة في لفظ ابن واقع بين علمين (قلت) إجابة لندائه (لبيك) أي أجبت لك إجابة بعد إجابة يا (رسول الله وسعديك) أي وأطعتك طاعة بعد طاعة.
قال النواوي: وقوله (لبيك وسعديك) في معنى لبيك أقوال نشير هنا إلى بعضها وسيأتي إيضاحها في كتاب الحج إن شاء الله تعالى، والأظهر أن معناها: إجابة لك بعد إجابة للتأكيد، وقيل: معناها قربًا منك وطاعة لك، وقيل أنا مقيم على طاعتك، وقيل محبتي لك، وقيل غير ذلك، ومعنى سعديك أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة، وتكريره صَلَّى الله عليه وسلم نداء معاذ فلتأكيد الاهتمام بما يخبره، وليكمل تنبه معاذ فيما يسمعه، وقد ثبت في الصَّحيح أنَّه صَلَّى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا لهذا المعنى والله أعلم انتهى.
(فائدة مستظرفة) وأعلم أن لبيك مثنى مصدر لَبَّ الثلاثي، أو اسم مصدر لألَبَّ الرباعي من قولهم: ألب بالمكان إذا أقام به أضيف إلى ضمير المخاطب، وهو وسعديك من الألفاظ المثناة لفظًا [و] معناها التكرار لأنهم لما قصدوا به التكثير جعلوا التثنية علمًا على ذلك، لأنها أول تضعيف العدد وتكثيره، وفي القاموس: لب بالمكان كألبَّ إذا أقام به، ومنه لبيك أي أنا مقيم على طاعتك إلبابًا بعد إلباب، وإجابة بعد إجابة أو معناه اتجاهي وقصدي لك من داري، من قولهم: تَلُبُّ داره تواجهها أو معناه: محبتي لك من قولهم امرأة لَبَّةٌ أي محبة لزوجها أو معناه إخلاصي لك من قولهم حَسَبٌ لباب أي خالص، والَّلبُّ بالفتح اللازم المقيم، وبالضم السُّمُّ وخالص كل شيء، ومن النخل والجوز ونحوهما قلبها، والعقل (ج) أَلْبَابٌ وأَلُبٌّ وأَلْبُبٌ، وأصله لَبَبْتُ لبين لك أي أجبتك إجابة بعد إجابة، وإعرابه: لببت فعل وفاعل والتاء ضمير المتكلم في محل الرَّفع فاعل لبين منصوب على المفعولية المطلقة وعلامة نصبه الياء لأنَّه ملحق بالمثنى الذي رفعه بالألف، ونصبه وجره بالياء، والنون عوضٌ عن التنوين والحركة، لكَ جار ومجرور