صوت البعير عند الضجر ولكنه جعل صوت جرع الإنسان للماء في هذه الأواني المخصوصة لوقوع النهي عنها واستحقاق العقاب على استعمالها جرجرة نار جهنم في بطنه من طريق المجاز هذا وجه رفع نار ويكون قد ذكر يجرجر بالياء للفصل بينه وبين النار ومن نصبه حمله على معنى يتجرع فالشارب هو الفاعل والنار مفعوله، يقال جرجر فلان الماء إذا جرعه جرعًا متواترًا له صوت فالمعنى فكأنما يتجرع نار جهنم، وقال في المبارق: الجرجرة صوت البعير في حنجرته والمراد به هنا صوت يسمع في حلق الإنسان عند تجرعه الماء اهـ.
وهذا الحديث دليل على تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب ويلحق بهما ما في معناهما مثل التطيب والتكحل وما شابه ذلك وبتحريم ذلك قال جمهور العلماء سلفًا وخلفًا، وروي عن بعض السلف إباحة ذلك وهو خلاف شاذ مطرح للأحاديث الصحيحة الكثيرة في هذا الباب، ثم اختلف العلماء في تعليل المنع فقيل إن التحريم راجع إلى عينهما وهذا يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم:"هي لهم في الدنيا ولنا في الآخرة" وقيل ذلك معلل بكونهما رؤوس الأثمان وقيم المتلفات فإذا اتخذ منهن الأواني قلت في أيدي الناس فيجحف ذلك بهم وهذا كما حرم فيهما ربا الفضل، وقد حسن الغزالي هذا المعنى فقال: إنهما في الوجود كالحكام الذين حقهم أن يتصرفوا في الأقطار ليظهروا العدل فلو منعوا من التصرف والخروج للناس لأخل ذلك بهم ولم يحصل عدل في الوجود، وصياغة الأواني من الذهب والفضة حبس لهما عن التصرف الذي ينتفع به الناس، وقيل إن ذلك معلل بالسرف والتشبه بالأعاجم.
[قلت] وهذا التعليل ليس بشيء لأنه يلزم عليه أن يكون اتخاذ تلك الأواني واستعمالها مكروهًا لأن غاية السرف والتشبه بالأعاجم أن يكون مكروهًا والتهديد الذي اشتمل عليه الحديث المتقدم مفيد للتحريم لا للكراهة وكل ما ذكرناه من التحريم إنما هو في الاستعمال. وأما اتخاذ الأواني من الذهب والفضة من غير استعمال فمذهب مالك ومذهب جمهور العلماء أن ذلك لا يجوز، وذهبت طائفة من العلماء إلى جواز اتخاذها دون استعمالها، وفائدة هذا الخلاف بناء الخلاف عليه في قيمة ما أفسد منها وجواز الاستئجار على عملها فمن جوز الاتخاذ قوم الصياغة على مفسدها وجوز أخذ الأجرة