كلامه صلى الله عليه وسلم جملة واحدة فإيقاع الظاهر فيها موقع الضمير مرجوح، وكلام الخطيب جملتان، وأجاب شارح المصابيح: بأنه إيماء إلى أن المعتبر مجموع المحبتين، حتى لو انفردت إحداهما لم تُفد، وأمر بالإفراد في الآخر إعلامًا بأن إحدى المعصيتين كافية في الذم اهـ الأبي.
ولم يقل (ممن سواهما) تنبيهًا على حقارة ما سوى الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن في معناه ممن يحب الله تعالى، وتنزيلًا له منزلة ما لا يعقل إذ ذاك أصل استعمال ما لأنه مثله في عدم القدرة على جلب المنافع ودفع المضار مطلقًا، ففي اللفظ إيماء إلى أنه ينبغي أن يقصر المؤمن حبه على مولانا جل وعز، وما كان لأجله، وما سواه هباء لا يجدي حبه شيئًا، وقال بعضهم إنما عبر بما دون من ليعم العاقل وغيره، لأنها أدخل في العموم، فيعم المخلوقات كلها ورُد بأنه إذا اختلط العاقل وغيره فهما سواء ولذا جاء {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وجاء {مَا فِي السَّمَاوَاتِ} في كافية ابن مالك:
وعند الاختلاط خُيِّر من نطق ... في أن يجيء منهما بما اتفق
(و) ثانيها (أن يحب) الرجل (المرء) المؤمن حالة كونه (لا يحبه) أي لا يحب ذلك المرء (إلا لله) أي إلا لأجل دين الله تعالى، وأخوته، لا لغرض دنيوي، قال القاضي: من ثمرة حب الله تعالى الحبُّ فيه، فلا يحب العبد إلا لله تعالى لأن من أحب شيئًا أحب ما هو من سببه كما قال صلى الله عليه وسلم:"من أحب العرب فبحبي أحبهم" يريد أن الحب في الله تعالى لا ينشأ إلا عن حب الله تعالى، ولا يمتنع أن يكتسب الحب في الله سبحانه باستحضار ما أعد الله تعالى للمتحابين فيه، وحسبك ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" فذكر منهم رجلين تحابا في الله اهـ أبي.
ونص عبارة القاضي هنا: ومن محبته ومحبة رسوله التزام شريعته ووقوفه عند حدوده، ومحبة أهل ملته وهو تمام محبته فيحب العبد لا يحبه إلا لله، لأن من أحب شيئًا أحب ما يحبه ومن يحبه ومن هو من سببه، قال النبي صلى الله عليه وسلم "من أحب العرب فبحبي أحبهم" رواه الطبراني في الكبير وابن عدي في الكامل عن عثمان بن