العلية وأحواله السنية لا يشك في أنه في ذروة الأخلاق المرضية، وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: كان خلقه القرآن، وقال سبحانه في شأنه العلي {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ومن أصدق من الله قيلا، قال أنس:(وكان لي أخ) لأم اسمه كبشة (يقال له أبو عمير) تصغير عمر أو عمرو وهذا محل الاستدلال (قال) أبو التياح (أحسبه) أي أظن أنسًا (قال كان) ذلك الأخ (فطيمًا) أي مفطومًا من الرضاع يعني لم يكن غلامًا رضيعا (قال) أنس (فكان) الشأن (إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى بيت أم سليم (فرآه) أي فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أبا عمير ما فعل النغير) بالتصغير فيهما (قال) أنس (فكان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يلعب به) أي يلعب مع ذلك الأخ ويمزح به أو المعنى فكان ذلك الأخ يلعب به أي يلعب بالنغير، وفي قوله أبا عمير ما فعل النغير دليل على جواز السجع في الكلام إذا لم يكن متكلفًا، فأما مع التكلف فهو من باب التنطع والتشدق المكروهين في الكلام، وعمير تصغير عمر أو عمرو، النغير تصغير نغر، والنغر بضم أوله وفتح ثانيه على وزن صرد طير كالعصافير أصغر منها حمر المناقير وتجمع على نغران كصرد وصردان ومؤنثه نغرة على وزن همزة.
وفي هذا الحديث فوائد كثيرة أوصلها بعضهم إلى ستين، منها جواز تكنية من لم يولد له وتكنية الطفل الصغير وأنه ليس كذبًا وجواز المزاح فيما ليس إثمًا، وجواز تصغير بعض المسميات وجواز لعب الصبي بالعصفور وتمكين ولي الصبي إياه من ذلك وجواز السجع بالكلام الحسن بلا كلفة وملاطفة الصبيان وتانيسهم وبيان ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من حسن الخلق وكرم الشمائل والتواضع .. الخ اهـ نووي.
والظاهر أن عميرًا تصغير لعمر وهو اسم علم مشهور وإنما غنى به تفاؤلًا وأما كونه تصغيرًا للعمر بضم العين وسكون الميم إشارة على قلة عيش الصبي فقد رده علي القاري في جمع الوسائل [٢/ ٢٥] بأنه ليس من دأبه صلى الله عليه وأخلاقه الحسنة أن يقول لولد صغير عبارة مشعرة بأن عمره قصير، وأجمع سياق ذكر في هذا الحديث ما ذكره